همّش موضوع النازحين السوريّين في لبنان ملف “حرب المشاغلة والمساندة” التي يخوضها “حزب الله” ضد إسرائيل، في الجنوب، بحيث بدا أنّ الطبقة السياسيّة اللبنانية، بمواليها ومعارضيها، أدركت حدود قدراتها، بحيث صبّت جهودها على ملف تعتقد بأنّها قادرة على تحقيق مكاسب فيه، وتخلّت آخر- على الرغم من مخاطره الوجودية- بعدما شعرت بعجزها وضعفها ووهنها!
ولكنّ هذه المهمة التي استعادتها الطبقة السياسية اللبنانية، ليست بسيطة على الإطلاق بل هي معقدة جدًا، إذ إنّ العامل نفسه الذي اصطدمت به في الجنوب اللبناني يقف في وجهها في الموضوع السوري، أي “حزب الله”.
ويبرز في هذا السياق، الكتاب المفتوح الذي وجهه رئيس الإئتلاف السوري المعارض هادي البحرة الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث لفت فيه إلى أنّ أحد مكوّنات حكومته، أي “حزب الله”، أرسل ميليشيا عسكرية الى سوريا، وكان أحد العوامل الأساسية في دفع شرائح واسعة من السوريين الى النزوح الى لبنان، بعدما احتلّ بلداتهم ودمّر ممتلكاتهم وعاث فسادًا في أعمالهم.
البحرة الذي لديه وائتلافه المعارض، في موضوع النازحين السوريين، مستمعون كثر في العالم، يطالب بسحب “حزب الله” من سوريا حتى يتمكن أصحاب الأرض من إعادة بناء ما تدمّر والعودة الى ديارهم.
وهذه واحدة من المعضلات الأساسية التي تواجه لبنان في موضوع النازحين السوريّين، فهو، بمكان ما، ليس ضحية في الموضوع السوري، بل هو جزء من المشكلة، لأنّه، من خلال “حزب الله” متورط مثله مثل النظام السوري والتنظيمات السورية المسلحة، في صناعة النزوح.
صحيح أنّ العبء كبير على لبنان واقتصاده وديموغرافيته واستقراره وأمانه، ولكن الصحيح أكثر أنّ النازحين السوريين، ولا سيّما منهم أولئك الذين يعارضون النظام السوري، هم ضحايا الدور الذي لعبه “حزب الله” ويلعبه!
يستطيع لبنان الرسمي، حيث ل”حزب الله” كلمة وازنة في صناعة القرار، أن يخفف أعباء ملف النازحين من خلال إعادة الموالين للنظام السوري الى بلداتهم وقرا هم، ولكنه لا يستطيع أن يحلّه، بشكل فاعل وحقيقي، إلّا إذا انسحب “حزب الله” من سوريا وترك بشّار الأسد يخضع لمشيئة المجتمع الدولي بما فيه روسيا المتواجدة عسكريًّا.
وسبق أن رمت روسيا بثقلها، يوم لم تكن محشورة في أوكرانيا، في محاولة منها لحل موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، ولكنها فشلت في ذلك، بسبب الدور الإيراني ومن ضمنه دور “حزب الله”. وهذا دور يقوّي بشار الأسد حتى لا يدخل تعديلات على نظامه تجعله مقبولًا من الدول المانحة، فتتراجع عن مقاطعته ومعاقبته، وتستطيع، بالتالي، المساهمة في تهيئة الأرضية اللازمة لإعادة الإعمار، من جهة وعودة جميع النازحين السوريين، من جهة أخرى.
صحيح أنّ الطبقة السياسية اللبنانية يمكنها أن تحقق مكاسب من ملف النازحين السوريين، ولكن الصحيح أيضًا أنّ ما يصيبها في العجز في الجنوب مماثل لما تعاني منه في الشرق!