نُقل عن نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغن أورتاغوس بأنها أعطت المسؤولين اللبنانيين مهلة أشهر قليلة للتوصل إلى تحقيق وعود خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية اللبنانية فور انتخابه والبيان الوزاري لحكومة رئيس الوزراء نواف سلام بشأن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية وفرض سلطة الدولة وهيبتها على أراضيها وحصر السلاح بيدها
يروي سيباستيان غوركا نائب مساعد الرئيس الأميركي وكبير مديري مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي أنه ومع دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في بداية ولايته جمع مستشار الأمن القومي مايك والتز كبار المسؤولين وقال لهم “حسناً، يا شباب، يا سيدات، تخيّلوا أين تريدون أن تكونوا بعد أربع سنوات من الآن في ما يتعلق بملفاتكم… الأهداف الكبيرة التي تريدون تحقيقها لأميركا وللرئيس وللسبعين مليون أميركي الذين انتخبوه، ثم، بمجرد أن تكتمل لديكم هذه القائمة، ضاعفوا ما تريدون تحقيقه واختصروا الوقت إلى النصف، لأن هذه هي سرعة ترامب”.
ويردد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية ومن بينهم المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت تعبير “سير أميركا على سرعة ترامب” للدلالة على السرعة الكبيرة التي يريد فيها الرئيس الأميركي تنفيذ السياسات التي يريد إنجازها خلال ولايته الثانية. ويقول البعض إن التحركات والسفرات والرحلات التي يقوم بها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف (صديق الرئيس الأميركي الوثيق الذي توسعت مهامه لتطال روسيا وأوكرانيا وغيرها) هي الدليل على الوتيرة السريعة التي يعمل بها كبار مسؤولي الإدارة الأميركية.
وإذا سلمنا جدلاً بهذه المقولة، فإن الوقت يعتبر عاملاً مهماً بالنسبة لإدارة ترامب. لذلك حدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو هذا الأسبوع موعداً نهائياً لمعرفة ما إذا كان الرئيس الروسي جاداً فعلاً في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا وإلا فإن الولايات المتحدة ستوقف مبادرتها وتهتم بقضايا أخرى لعدم إضاعة الوقت. ولنفس العامل يأتي تكثيف الإجتماعات بين الجانبين الأميركي والإيراني من أجل البحث في إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني. وكذلك الأمر بالنسبة للإجتماعات التي يعقدها كبار المسؤولين الأميركيين وخصوصاً وزير الخزانة مع المسؤولين الدوليين للتوصل إلى اتفاقات بشأن أزمة الرسوم الجمركية.
أورتاغوس ومهلة الأشهر للبنان
ولأهمية هذا العامل بالنسبة للإدارة الأميركية، يأتي الكلام الذي نقل عن نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغن أورتاغوس بأنها أعطت المسؤولين اللبنانيين مهلة أشهر قليلة للتوصل إلى تحقيق وعود خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية اللبنانية فور انتخابه والبيان الوزاري لحكومة رئيس الوزراء نواف سلام بشأن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية وفرض سلطة الدولة وهيبتها على أراضيها وحصر السلاح بيدها ليؤكد أن المسؤولين الأميركيين لن يتساهلوا بشأن لعبة شراء الوقت وتدفيش الإستحقاقات و”ركل العلبة على الطريق”، كما يقول المثل الأميركي، التي ينتهجها البعض علها تتغير الأوضاع وتتبدل الظروف. وما يريده المسؤولون الأميركيون هو إنجاز ملفاتهم على “سرعة ترامب” وعدم التهاون مع محاولات تأخيرهم أو التسبب بفشلهم لأنهم سيخضعون هم أنفسهم للمحاسبة من قبل الرئيس الأميركي في حال لم ينجزوا ما كلفوا بإنجازه وبنصف الوقت، وهو المشهور منذ أيام تقديمه برنامجه التلفزيوني The Apprentice بتعبير “You’re Fired” أنت مطرود.
ومن هنا يأتي كلام أورتاغوس في السفارة الأميركية بواشنطن أمام الوزراء اللبنانيين الذين زاروا العاصمة الأميركية الأسبوع الماضي ليعطي دفعاً وزخماً جديداً للرئيس اللبناني جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام اللذين وصفتهما أورتاغوس بالقادة الشجعان من أجل الإسراع في تنفيذ بنود خطاب القسم والبيان الوزاري خصوصاً في ما يتعلق بالإصلاحات، والتأكد من احتكار الدولة للسلاح. والملفت في كلام نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لا تطمح إلى إعادة لبنان إلى ما كان عليه قبل حرب العام 1975 “أيام المجد التي يتحدث عنها الناس” حسب قولها بل الوصول إلى “حقبة جديدة أفضل وأعظم مما شهده لبنان على الإطلاق.. وإلى مستقبلٍ أكبر وأكثر إشراقاً” على حد تعبيرها.
لن يتساهل المسؤولون الأميركيون بشأن لعبة شراء الوقت وتدفيش الإستحقاقات و”ركل العلبة على الطريق”
الشرق الأوسط على وقع “سرعة ترامب”
ويعكس موقف أورتاغوس هذا صورة مستقبل الشرق الأوسط التي تعمل عليها الإدارة الأميركية حالياً إن كان لجهة تعزيز التحالف الاستراتيجي مع دول الخليج والحفاظ على التفوق العسكري والاستراتيجي لإسرائيل ونزع الفتيل النووي من إيران عبر اتفاق جديد ينهي عمليات تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية (ويتناول برامج الصواريخ والمسيرات ووكلاء إيران في المنطقة)، أو لناحية إيجاد تسوية لحرب غزة والقضية الفلسطينية أو تحديداً في ما يتعلق بتوسيع اتفاقات إبراهيم لتطال عدة دول عربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. ولتظهير صورة أورتاغوس لا بد من التذكير بما قاله رئيسها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في شهر شباط الماضي بأنه “بالمناسبة، يمكن للبنان أن يحشد جهوده وينضم إلى اتفاقيات إبراهيم للسلام، وكذلك سوريا وأن هناك تغييرات عميقة تحصل”.
وفي ظل كل هذه المتغيرات القادمة إلى منطقة الشرق الأوسط على صانعي القرار أن يتأقلموا مع “سرعة ترامب” على مدى السنوات الأربع المقبلة.