"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

المرأة والصراع مع "العمر المظهري"!

كريستين نمر
الأربعاء، 3 أبريل 2024

المرأة والصراع مع "العمر المظهري"!

“الله يعينو بدها كوي.. شو صاير عليه؟ كيف إلو نفس يتطلّع فيها..؟”، بهذه الكلمات وصف أحدهم، خلال عشاء كنت حاضرة فيه، سيّدة كانت برفقة رجل على الطاولة المجاورة، وعلى الرغم من أنّه يبدو أكبر منها، فإنّ صاحبنا هذا، لم يعلّق لا على صبغة شعر الرجل المرافق للسيّدة ولا على “تجاعيده”، لا بل ردّ على إحداهن عندما قالت “هو ليس أفضل حالًا لابقين لبعض” فقال: “الرجل ما بعيبو شكلو”.

ما كشف عنه هذا الحوار، دليل على أن النموذج الذكوري الذي كان مسيطرًا على التفكير والتصرّف في تحديد معايير جمال المرأة وشبابها وتصرّفاتها ما زال موجودًا بقوّة إلى يومنا هذا، فـ”صديقنا” هذا الذي أعطته “رجولته” الحق في تقييم جمال المرأة وتحديد ما يحق وما لا يحق لها، من دون تردّد أو وجل، ما هو إلا استمرار لمرحلة طويلة تعود إلى قرون خلت، فلطالما جهد رسامو الأزمنة الغابرة مثلًا، بإخفاء تجاعيد الملكات والأميرات وسيدات القصور اللواتي كانوا يرسمونهن، باعتبارها تُفقدهنّ جاذبيتهنّ وأنوثتهنّ.

لكن هل هذا يعني أنّ التقدّم بالعمر بدل أن يكون وقار هو عار؟ وهل مكانة المرأة في المجتمع تتراجع مع مرور الزمن خصوصًا عندما يقال عن مسنّة لم تسلبها السنوات كل جمالها: يبدو أنها كانت جميلة في صباها؟!

ولماذا تؤثر علامات الشيخوخة على جسد المرأة وجاذبيتها وجمالها وقيمتها فينظر لشعرها الأبيض مثلًا (حتى من قبل بنات جنسها)، على أنه فوضى وقلّة ترتيب ونقص في السيطرة على الذات من قبلها، بينما يشكّل للرجل مصدرًا للهيبة والجاذبية والنضوج وقوّة الحضور؟

من الملاحظ أن ثمّة تمييزًا جندريًا في ما يختص التقدّم بالعمر، فالرجل مثلًا غير معني على الإطلاق بهذه “النظرة السلبية” لا بل على العكس فالتجاعيد على سحنته وشعره الرمادي هما من علامات النضوج والوقار، وهذا بالتحديد ما نراه على شاشات التلفزة العربية والعالمية، إذ أنّ غالبية النساء ما بعد سن الثلاثين يتمّ رفع وجوهن إلى الأعلى في حين أن وجوه أترابهم من الرجال لا يتم المساس بها، إضافة إلى لجوء المصوّرين في الكثير من المسلسلات والأفلام إلى استخدام الفلاتر لتنقية وجوه الممثلات في حين يعفى الممثل من هذه التقنيّة.

فهل لظاهرة هوس التجميل المتفشيّة في مختلف المجتمعات والإقبال الكبير على إجراء العلاجات والجراحات التجميلية علاقة بنظرة الرجل “التقييمية للمرأة؟

تقول كارولين (اسم مستعار) البالغة من العمر أربعة وخمسين عامًا: “أنظر في المرآة أجد سيّدة عجوزًا، مترهّلة، وما أن أعي عمري حتى أقول، لا مهرب من ذلك.. وكل يوم سيكون أسوأ من السابق.. إمكاناتي الضعيفة لا تسمح لي باللجوء إلى الجراحة التجميلية.. حتى بت أنظر إلى وجوه السيّدات في الشارع وأقارنهم بوجهي.. أبحث على محرّك غوغل عن عمر تلك الممثلة وأقارن شكلي بها”.

يعيد أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستراسبورغ في فرنسا، دافيد لو بروتون سبب لجوء السيّدات إلى التدخلات التجميلية بأنهنّ “غير محصّنات من نظرتهن الخاصة لأنفسهنّ، فالخطوات التجميلية التي يتخذنها على وجوههنّ أو جسمهنّ هي في الواقع وسيلة للسيطرة على جسدهنّ بنفسهنّ بدلاً من جعل نظرات الآخرين تتحكّم بهنّ”.

ويضيف لو بروتون: “عندما نخفي علامات التقدّم في السنّ، نسمح للآخرين بتقدير عمرنا المظهري بدلاً من عمرنا الحقيقي، والبوتوكس والفيلر والجراحات التجميلية تشكل ترسانة لمحاربة علامات الزمن وتبني شبابًا خالدًا من جرّاء تجميد الوجوه، فبفعل هذه التقنيات التي يقدّمها السوق لنا تصبح الشيخوخة بنظرنا ملعونة ومدانة”.

تقدّم بالعمر وأنت جميل

ولأن الجمال والطموح لا يتوقّفان عند سنّ معيّنة، فكثيرات هن السيّدات اللواتي زادت جاذبيتهنّ مع تقدّمهنّ بالعمر وتألقنّ مهنيًا، إذ جعلن من الانتقال إلى ما بعد الخمسين، محفّزًا لتنمية ذواتهنّ وتحوّلن مع وصولهن إلى هذه الحقبة إلى أشخاص سعداء استثمرن بحياتهن واكتشفن أنهن أكثر حرية مما كن يتصوّرن، وزاد التوافق مع الذات لديهن وتقديرهن لأنفسهن بسبب شعورهن بالرضا والحرية والاستقلالية المالية والراحة والترفيه، فالتقدّم بالعمر وتطوّر الطبّ وأساليب الحياة والتغذية (في البلدان المتطوّرة طبعًا)، يجعل المرأة تشعر بالشباب الدائم فتهتم بمظهرها أكثر وتمارس الأنشطة الرياضية وتعتني ببشرتها للحفاظ على الحد الأدنى من المظهر المقبول.

ويبقى الأمل في أن يتوقّف أن يكون تقدير المرأة مشروطًا بشبابها وجمالها وقيمة جسدها، وأن تتمكّن من التحرّر من الضغوطات المفروضة عليها اجتماعيًا، وتعي أنّ قيمتها لا يمكن أن تتضاءل مع مرور الزمن.

المقال السابق
منى واصف: " أنا لست امرأة قوية.. ومع زوجي خسرت أحلامي"
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"هاري الأمير المفقود".. فيلم يفضح ما عاشه دوق ودوقة ساسكس

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية