"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

المفاوضات تحت النار و"فظاظة" شروط إسرائيل

ابراهيم ناصر
الخميس، 14 نوفمبر 2024

  المفاوضات تحت النار و"فظاظة" شروط إسرائيل

من الناحية العسكرية أنجزت إسرائيل أهدافها من الحرب على حزب الله. هي بالطبع لم تسحق قوة الحزب غير انها تمكنت من اضعافه الى حد بعيد، اذ انها تمكنت من ضرب قدراته في العمق وعلى محاور عدة. نجحت في تصفية امينه العام، رمز قوته وهيبته محليا وإقليميا، كما “تخلصت” من معظم اركان الحزب العسكريين والامنيين. قتلت المئات من كوادره المخضرمين بينما ازالت على طول الشريط الحدودي، بعدما ان رمدت العديد من القرى، كافة المنشآت العسكرية التي بناها خلال سنين طويلة بعدما صادرت منها كميات ضخمة من الأسلحة. وتدّعي إسرائيل ان ضرباتها المكثّفة على معاقل حزب الله في مختلف المناطق اللبنانية قد ادّت الى تدمير ما يقارب ثمانين في المئة من مخزوناته من السلاح من صواريخ على أنواعها ومسيرات وذخائر وغيرها بالإضافة الى ورش التصنيع والصيانة. وتدّعي إسرائيل ايضا ان ضرباتها بدّدت الكثير من مخزوناته المالية ودمّرت العديد من مؤسساته الاقتصادية. كذلك وجهت إسرائيل ضربات مؤلمة لبيئته الحاضنة اسفرت عن مئات الضحايا البشرية ناهيك عن التدمير الممنهج للقرى والاحياء بما فيها من مساكن وبنى تحتية ومؤسسات تقدّر بمليارات الدولارات وعن نزوح مئات الآلاف.

استمرار إيران في انتهاك سيادة لبنان عبر مدّ حزب الله بالموارد سوف يقابله انتهاك إسرائيلي مماثل عبر حرية ضرب هذه الموارد

مجريات الاحداث على ضوء كل ذلك تشير الى أنّ إسرائيل مستمرة في عملياتها العسكرية بهدف التفاوض تحت النار كما جاء على لسان العديد من قياداتها وهي تسعى من خلال ذلك الى فرض الشروط التي تناسبها لوقف الحرب. ولهذه الغاية يبقى القرار ١٧٠١ الصادر عن مجلس الامن المرجعية الصالحة والإطار الأنسب لكن الخلاف الأساسي يتعلق بآليات وضمانات تنفيذه بنوده وهو ما تتفق جميع الأطراف وبناء على التجربة على ان الخلل ينبع من هذه النقطة.

وفي هذا المجال يبرز شرطان إسرائيليان أساسيان. الأول ان يعهد الى لجنة دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية تتولى الاشراف على حسن تطبيق القرار والثاني احتفاظ إسرائيل بحرية الحركة العسكرية لمعالجة الخروق التي تعتبرها تهديدا لأمنها كمثل إعادة حزب الله بناء منشآت عسكرية جنوبي نهر الليطاني او المباشرة مجددا بفتح خطوط الامداد الإيرانية للحزب وبشكل خاص عبر سوريا.

كان لافتا بالأمس تصريح معاون الرئيس بري السياسي علي حسن خليل لمحطة الجزيرة حيث لم ينف إمكانية قبول شرط إسرائيل الأول عندما لمح الى ان تشكيل لجنة دولية للإشراف على حسن تطبيق القرار لن يكون سابقة عندما قارن ذلك بموضوع الاتفاق مع إسرائيل على الترسيم البحري ودور الولايات المتحدة برعايته. في المقابل كان خليل واضحا لناحية رفض الدولة اللبنانية المطلق لأية بنود إضافية تمس بالسيادة اللبنانية وهو كان يعني بذلك شرط إسرائيل الثاني. الموقف الاخير يحظى بالإجماع اللبناني وهذا امر مفهوم. لبنان نظريا دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة يلتزم بميثاقها والقرارات التي تصدر عن مؤسساتها وان كانت استباحة سيادته منذ عقود طويلة فلسطينيا واسرائيليا وسوريا وايرانيا اعتبر وما زال امرا واقعا ومصدرا لخرابه المتواصل ومآسيه المتكررة غير انّ هذه الاستباحة لم تحظ يوما بغطاء القانون الدولي.

من هذا المنطلق ماذا يفسّر هذا الإصرار الإسرائيلي على مطلب يصعب القبول به والمتمثل بحرية التدخل العسكري في لبنان بعد وقف إطلاق النار؟

تبدو إسرائيل مصمّمة على خلق واقع جديد ميداني وسياسي يؤدي لعدم السماح بالعودة مجددا لوضعية السادس من تشرين الاول ٢٠٢٣ والمخاطرة بحدوث ما يشابه السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ على حدودها الشمالية. وهذا يتطلب ابعاد الوجود المسلّح غير الشرعي نهائيا عن منطقة جنوب الليطاني والإبقاء على حزب الله على حالة من الضعف في الداخل اللبناني عبر تشديد الحصار المالي عليه وسد كافة معابر إعادة تسليحه وخلق الظروف المؤاتية لقيام دولة مركزية غير خاضعة للحزب وقادرة على الالتزام بحماية حدودها. ولن تقوم مثل هذه الدولة في حال توقفت الحرب وقررت إيران مواصلة استباحة سيادة لبنان وإعادة بناء قدرات حزب الله وهذا ما اثبتته التجارب الماضية.

الضربات الإسرائيلية الكثيفة والمعلنة في سوريا قرب الحدود مع لبنان قد لا تتوقف بالتزامن مع اتفاق لوقف النار مع لبنان ما لم تحصل إسرائيل من نظام بشار الاسد وبضمانة روسية على ضبط الحدود من الجانب السوري لمنع تدفق السلاح الى لبنان

من هذا المنظار يمكن فهم المطلب الإسرائيلي الصعب كأداة في استراتيجيتها التفاوضية للوصول الى وقف إطلاق النار. استمرار إيران في انتهاك سيادة لبنان عبر مدّ حزب الله بالموارد سوف يقابله انتهاك إسرائيلي مماثل عبر حرية ضرب هذه الموارد. والظاهر ان الدولة العبرية لن تسقط هذا المطلب ما لم تحصل على ضمانات دولية صلبة بإقفال كافة المعابر اللبنانية في وجه تدفق الدعم الإيراني ربما عبر توسيع تجربة أفواج الحدود البرية التابعة للجيش اللبناني والمدعومة بريطانيا لتشمل كل الحدود البرية مع سوريا بالإضافة للمعابر الجوية والبحرية في لبنان بالإضافة طبعا الى المرجعية الدولية التي تحظى بالثقة الاسرائيلية للإشراف على حسن تطبيق شروط وقف النار.

اللافت أيضا في هذا المجال تصاعد الضربات الإسرائيلية الكثيفة والمعلنة في سوريا قرب الحدود مع لبنان مؤخرا والذي قد يندرج ضمن نفس السياق. تصاعد تلك الاستهدافات في هذه الفترة التفاوضية يوحي بأن إسرائيل تسعى وراء ترتيبات مماثلة على الجانب الآخر من الحدود وبأنّ مثل تلك الضربات قد لا تتوقف بالتزامن مع اتفاق لوقف النار مع لبنان ما لم تحصل إسرائيل من نظام بشار الاسد وبضمانة روسية على ضبط الحدود من الجانب السوري لمنع تدفق السلاح الى لبنان وهو ما قد يفسّر الزيارة السرية للمسؤول الإسرائيلي الرفيع المستوى الى موسكو منذ أيام.

هل تنجح إسرائيل في استراتيجيتها في التفاوض تحت النار وتُلبّى مطالبها العالية السقوف؟ لا بد من الاعتراف بان موازين القوى يميل بوضوح لمصلحتها ولا يزال امام نتنياهو ما يزيد عن الشهرين من فترة البطة العرجاء في الولايات المتحدة الاميركية قبل أن يدخل رجل الصفقات الى مكتبه البيضاوي في العشرين من كانون الثاني المقبل.

المقال السابق
مجزرة اسرائيلية بحق متطوعي الدفاع المدني في دورس/بعليك

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

نقاش بالصوت والصورة: هل لبنان امام فرصة حقيقية لوقف اطلاق النار؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية