ليس من الضروري أن يُشهر أحدهم في وجوهنا كلمة “لا” أو أن يرشقنا بكلمات جارحة مُسننة كي نشعر بالرفض، أحياناً يؤدي استبعاد أحدنا عن وظيفة أحلا مه أو من صحبة سعيدة، أو عدم تلقيه دعوة لجلسة عائلية أو حفلة عيد ميلاد، إلى تآكل ثقتنا واعتدادنا بأنفسنا.
تخيل أنك تجلس في غرفة انتظار مع شخصين غريبين. يلتقط أحدهما كرة على الطاولة ويرميها إلى الآخر، ثم يبتسم هذا الشخص وينظر إليك ثم يمرر لك الكرة. دعنا نفترض أن قدراتك على الرمي من مسافة قصيرة جيدة نسبياً، تنخرط في اللعبة وتقذف الكرة إلى الشخص الأول، الذي يقذفها بسرعة إلى الشخص الثاني. ولكن بعد ذلك بدلاً من رمي الكرة إليك، يقوم الشخص الثاني بإعادتها إلى الشخص الأول، مما يؤدي إلى إخراجك من اللعبة. كيف سيكون شعورك في هذا الموقف؟ هل ستتأذى مشاعرك؟ هل سيؤثر ذلك على مزاجك؟ ماذا عن احترامك لذاتك؟
معظمنا سيسخر من الفكرة.. شخصان غريبان لم يمررا لي كرة غبية في غرفة الانتظار؟ من يهتم؟ ولكن عندما قام علماء النفس بالتحقيق في هذا الموقف بالذات، وجدوا أننا نهتم أكثر بكثير مما ندرك. ودائمًا ما يشعر الشخص الذي اُستبعد بعد الجولة الأولى أو الثانية من رمي الكرة بألم نفسي كبير. وإذا كانت مثل هذه التجربة البسيطة تثير ألمًا عاطفيًا حادًا (بالإضافة إلى انخفاض في المزاج وحتى احترام الذات) يمكننا أن نبدأ في تقدير مدى ألم الرفض الحقيقي.
تشريح الألم:
ما يميز الرفض عن كل المشاعر السلبية الأخرى التي نواجهها، هو حجم الألم الذي يثيره. فغالبًا ما نصف الألم العاطفي بأنه “يشبه اللدغ” أو “ينخر العظم” وتقول إحدى السيدات ليورونيوز حين رفضها شريك عاطفي: “خرجت من ظلماتي بمشقة، رغم الضحك والدعابات اللاذعة والسخرية من التجربة ككل، كادت روحي تزهق من فرط اليأس”.
عندما نتعرض للرفض، فإننا غالباً ما نميل لبناء صورة وردية حول ما خسرناه، فالوظيفة التي لم نحصل عليها تبدو بصورة أفضل كثيرا من حقيقتها، والحبيب المفقود مثالي ولا يُعوض، والعلاقات التي كانت تجعلنا بائسين نراها أفضل العلاقات بمجرد انتهائها، وهذه الصورة الوردية غير الحقيقية تجعل تعاملنا مع الرفض أصعب بكثير.
في دراسة أجراها باحثون بجامعة كنتاكي حول فرضية أن ألم الرفض يحاكي الألم الجسدي، أعطى الباحثون عقار “إسيتامينوفين” للمشاركين في الدراسة، قبل حثهم على تذكر بعض مواقف الرفض المؤلمة التي تعرضوا إليها، كان الذين تناولوا العقار أقل تعرضا للألم من أولئك الذين حصلوا على عقار يحتوي على السُكّر فقط، وقلل دواء إسيتامينوفين من الشعور بألم الرفض.
وتقول بعض الدراسات الإنثربولوجية إن أسباب ألم الرفض تعود لكونه ألماً جماعياً مرتبطاً بشعور النبذ القديم الذي عُرف بكونه عقابا مجتمعيا من قبل القبا ئل القديمة، فكان الشخص المخطئ يخرج خارج حدود القبيلة منبوذا وحيدا. ولعل الكثير من الأذى يأتي مما نقوله لأنفسنا عن التجربة، والطرق القاسية التي نعامل بها أنفسنا، وأفكار اليأس التي تغمرنا، وتظهر الدراسات أن رد فعلنا على الرفض يستند إلى عناصر وأحداث من ماضينا، مثل نمط ارتباطنا مع الوالدين، وغالبًا ما يكون رد فعلنا على الرفض أكبر أو أكثر أهمية من الرفض نفسه، وهذا ما يجعل تعلم كيفية التعامل مع الرفض أمراً مهما للغاية.
وسنلقي الضوء هنا على بعض أقوى الاستراتيجيات الشخصية لكيفية التعامل مع الرفض.
1. انتبه إلى ناقدك الداخلي
نحن لا نتأثر فقط بما يحدث لنا، ولكن بالـ”فلتر” الذي نرى من خلاله ما يحدث لنا، وغالباً ثمة هذا “ناقد داخلي” يعيش بداخل رؤوسنا، يهاجمنا في اللحظات التي نكون فيها أكثر هشاشة، وعندما نتعرض للرفض يهمس لنا: “قلت لك إنك واهم، أنت غير مرغوب بك، لن تجد ما تريده أبدًا، لا تضع نفسك في هذا الموقف مرة أخرى كي لا تتأذى”.
يجب أن نعرف أنه رغم عيوبنا، هذا الصوت ليس صديقا لنا، ولا يفضي إلى تغيير حقيقي، حيث يحافظ على حلقة من التفكير المدمر للنفس.
عندما نلاحظ أن صوتنا الداخلي الناقد يتسلل ويسيطر، علينا أن نستدعي الصوت العطوف الذي يتعامل معنا بلطف، وهذا لا يعني أن ننكر أخطاءنا ولا نتحمل مسؤوليتها، ولكن فقط أن نتجنب الحكم والقسوة على أنفسنا.
2. أحط نفسك بأشخاص داعمين
غالبًا ما يصاب الأشخاص بتدني احترام الذات بعد التعرض للرفض، وبشكل خاص إذا كان هذا الرفض من قِبَل الشريك العاطفي أو الرومانسي؛ بحيث يزداد الشعور بالإحباط، أو لوم النفس، والذي يؤدي بدوره لتدني احترام الذات. لذلك من الضروري أن تحيط نفسك بأشخاص داعمين يُشعرونك بالاهتمام، فرفض شخص ما لك، لا يعني أنه لا يوجد الكثير من الأشخاص الآخرين الذين يقبلونك كما أنت.
3.غيّر نظرتك للأمور
قدرتنا على رؤية أن الأمور “قابلة للتغيير” يمكن أن يكون لها تأثير قوي على كيفية تعاملنا مع الرفض، وقد وجد باحثو ستانفورد أخيرًا أن “معتقدات الشخص الأساسية حول الشخصية يمكن أن تسهم في ما إذا كانوا سيتعافون من آلام الرفض أو يظلون غارقين فيها”، وكشفت دراساتهم أن الأفراد الذين لديهم “عقليات ثابتة” ويرون الشخصية كيانا جامدا وصلبا، هم أكثر عرضة لإلقاء اللوم على أنفسهم عندما يواجهون الرفض، كما يميلون إلى انتقاد أنفسهم والتشاؤم بشأن العلاقات المستقبلية.
من ناحية أخرى، يرى الأفراد الذين لديهم “عقلية نمو” شخصياتهم على أنها شيء يمكن تغييره أو تطويره، وينظرون لمشكلات العلاقات على أنها فرصة للنمو والتغيير، ويأملون أن يتحسن نمط علاقاتهم، وهذه النظرة للأمور تساعد على تعافيهم بسرعة أكبر. ومعنى هذا أننا إذا تمكنا من تبني فكرة أن الحياة مرنة وأن الخسارة هي فرصة جديدة، فإنه يمكننا أن ننمو أكثر ونعاني أقل عندما نتعرض للرفض.
4. اسمح لنفسك أن تشعر بالألم
محاولة قطع مشاعرنا عندما نمر بحدث مؤلم في حياتنا لا تخدمنا، ومن المهم أن نسمح لأنفسنا بأن نشعر بالحزن أو الغضب عندما نشعر بالرفض، خاصة إذا أثار ذلك مشاعر وذكريات قديمة، وفي كل الأحوال يجب ألا نحاول إيقاف مشاعرنا، كما يجب أن نحرص على ألا تُغرقنا، وعلينا أن نتذكر أن المشاعر تأتي في صورة موجات، ترتفع ثم تنخفض، ولكن إذا شعرنا بألم شديد، فإن طلب المساعدة المتخصصة هو فكرة جيدة.
5. اتصل مع ماضيك
النظر إلى ماضينا يمكن أن يساعدنا في فهم الكيفية التي نعالج بها الرفض، فالأحداث الحالية المؤلمة يمكن أن تثير مشاعر من ماضينا، وعلى سبيل المثال، قد نتألم أكثر عند تعرضنا للرفض والخسارة إذا عانينا من اتصال غير آمن في وقت مبكر من حياتنا، وفي العادة نميل لتكرار نفس خبرات الماضي في علاقتنا، حتى لو كان الماض ي مؤلما، فقد نختار شركاء أقل توفراً وأكثر رفضًا، قد نشعر بشوق أكثر تجاه الناس أو الظروف التي تجعلنا نشعر بنفس الطريقة السلبية التي شعرنا بها في الماضي تجاه أنفسنا.