"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

اللبناني والضفدعة

كريستين نمر
السبت، 22 يوليو 2023

اللبناني والضفدعة

في كل مرة يلام فيها الشعب اللبناني جرّاء عدم تحريكه ساكنًا إزاء ما طاله من مصائب، ومن سرقة لجنى عمره، وتفجير نصف عاصمته، وهجرة خيرة شبابه، وخلاف ذلك، يسترجع “المنظّرون” مثل الضفدعة “الشهيرة” التي تمّ وضعها في وعاء من الماء البارد ثم بدأوا بتسخينه ببطء فلم تشعر بارتفاع حرارته وبالتالي لم تتنبّه إلى أنه يُجري سلقها، في حين انه عندما ألقيَ بضفدعة أخرى في وعاء مملوء بالماء المغلي قفزت بكل ما أوتيت من قوة في محاولة منها للهروب من الموت.

وقد يكون المنظرون بتكرار هذه القصّة المضحكة – المبكية، في لقاءاتهم “الصاخبة” وسهراتهم “المسليّة”، يحاولون الغمز من أن التغييرات البسيطة والتدريجية التي تطرأ على المرء قد لا توقظه إنما بالعكس، فقد يعتبرها طبيعية، فتنتهي بالسيطرة عليه. ولكن هل تصحّ المقارنة بين البشر والضفادع، هذا إذا سلّمنا جدلًا أن هذا هو السلوك الفعلي للضفادع؟ وهل يمكن استدراج المرء والتلاعب به، هو الذي بطبيعته يدرك التهديدات ويقيس تأثيراتها، حتى لو أتت متأخرة؟

من المعروف أنّ عالم التنمية الشخصية، يعجّ بالقصص الملهمة التي تلعب دورًا مشابهًا للبيانات التجريبية في علم النفس العلمي، بحيث تُستخدم كمرجع للإقناع، وقد أطلق على قصة الضفدعة هذه اسم “الطبيعة المتسلّلة”.

وقد أيدّ العديد من علماء النفس النظرية، بعدما قاموا بإجراء اختبارات على الضفادع في أواخر القرن التاسع عشر، فقد اعتبر إدوارد ويلر سكريبت في كتابه “علم النفس الجديد” سنة ١٨٩٧ أنه إذا ارتفعت درجة الحرارة بمعدل حوالي ٠،١٢ درجة مئوية في الدقيقة، فإن الضفدعة ستبقى ساكنة وتموت بعد ساعتين ونصف.

إلا أنّ علم النفس الحديث شكّك بشدّة بهذه النظرية واعتبرها ادعاءات “لا تستند إلى علم”، إذ قام في العام ٢٠٠٢ فيكتور هتشينسون، عالِم الحيوانات في جامعة أوكلاهوما، بكتابة مقال فنّد خلاله هذه الأسطورة ومما جاء فيه: “عندما يتم تسخين الماء درجة واحدة في الدقيقة، يصبح الضفدع أكثر نشاطًا ويحاول الهروب، وفي النهاية يقفز خارج الوعاء، في حال سُنحت له الفرصة، بالتأكيد”.

قد يكون ما قصده إدوارد ويلر سكريبت فيه نسبة صحيحة من الحقيقة فنحن مثلًا، نلاحظ بصعوبة التغيّرات عندما تكون تدريجية بحيث لا نرى أطفالنا وهم ينمون أمامنا مثلًا.

ولكن ماذا عنّا نحن كشعب لبناني؟ هل حقًا أننا لا نتفاعل؟

للأسف إنها مقاربة محزنة فما يحدث معنا، مأساة تطورت بطريقة ملتوية ومستمرة، بحيث لم نعد نشعر لا بالعنف المعنوي ولا النفسي ولا حتى اللفظي (الموجود في خطابات السياسيين) اللاحق بنا.

ويطلق علم النفس على هذه المرحلة تسمية “الرمزية” فعدم تفاعل الضحية يبقى مؤقتًا طالما أنّ الأذى يطالها وحدها، فالمرأة المعنّفة مثلًا، قد تتحمّل سوء المعاملة طالما أطفالها بمنأى عن الخطر، لكن بمجرّد أن تطالهم الأذيّة، تنتفض بكل ما أوتيت من إمكانات للدفاع عنهم، وهذا هو الحال مع الاعتداءات الجنسية أيضًا، إذ أن التقدّم التدريجي المُكتسب للعنف، يؤدي بعد مرحلة معيّنة إلى وعي عند الضحية، وبالتالي يصبح مرفوضًا.

ف “الضفدعة العبرة” تموت لأنّه لم يكن لديها الوعي بأنها تُطهَى، إنما نحن كبشر، ما يميزنا عن الضفادع هو وجود وعي لدينا، على عكسهم تمامًا، فنحن بالطبع نعلم أننا سوف “نُطهى” إذا لم نغيّر سلوكنا وننتفض بوجه مسببي مأساتنا، وعلى الرغم من أنّ الوعي ضروري للتغيير (وهذا ما يجب التحقّق منه)، إلا أن الدراسات أكدت أنه غالبًا ما يكون غير كافٍ.

نقتنع بصحة أفعالنا بدلاً من تغييرها، وعلى الرغم من يقيننا بأننا نتجه نحو الكارثة، إلا أننا نسعى إلى طمأنة أنفسنا رافضين تغيير سلوكنا

لماذا؟

في أوائل التسعينات، كان الكثير من الأمريكيين لا يعرفون أهمية تناول الفواكه والخضروات بانتظام لصحتهم، إذ كان ٨٪ فقط من السكان يدركون هذه الحقيقة، وكان ١١٪ منهم فقط يستهلكونها وفقًا للتوصيات الحالية، (خمس حبّات في اليوم)، لذلك تم تنفيذ حملة إعلامية هائلة بتمويل كبير، حققت نجاحًا لا يمكن إنكاره، حيث زاد عدد الأمريكيين الذين باتوا على دراية بأهمية تناول الفاكهة على صحتهم، فوصل إلى معدل أربعة أضعاف خلال عشر سنوات، إلا أنّه في الوقت عينه بقيت نسبة الأشخاص الذين يتناولونها صفر ٪، فعلى الرغم من أن ٣٥٪ منهم ا أدركوا فوائد تناولها بانتظام، إلا أنهم لم يكونوا على استعداد لاختيار المنتجات الطازجة، بل دأبوا على شراء الأطعمة المصنّعة.

هناك نظرية نفسية تمّ تطويرها قبل أكثر من ستين عامًا من قبل ليون فيستينجر، تفسر هذه الظاهرة، وقد أطلق عليها حينها اسم “تقليل التنافر الإدراكي”، تنص على أنه عندما ندرك التناقض بين أفعالنا وأفكارنا تحاول نفسيتنا تقليل الارتباك الناجم عن هذا التناقض، بوسائل التبرير الذاتي، مثلًا كم مرة برّرنا بأننا على الرغم من عدم الاهتمام بنظامنا الغذائي، إن ما يعوّض هو أننا لا ندخّن ونمارس ما يكفي من التمارين الرياضية، ويقول فيستينجر “نقتنع بصحة أفعالنا بدلاً من تغييرها، وعلى الرغم من يقيننا بأننا نتجه نحو الكارثة، إلا أننا نسعى إلى طمأنة أنفسنا رافضين تغيير سلوكنا”.

وبالعودة إلى الضفدعة، ليس عليها أن تتفهّم الوضع لكي تنقذ نفسها من السلق، بل يكفي أن تشعر بالألم لتنفذ بجلدها، أما في لبنان، فهناك من يتوهّم بأنّ قياداتهم السياسية التي تتمتّع في “الجاكوزي”، هي في طور…الطهي!

المقال السابق
احذروا "فخ" الماء البارد اثناء موجة القيظ
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية