"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"الكيل بمكيالين" لعنة عالميّة لا تنحصر أضرارها بالفلسطينيّين فقط والمستاؤون منها أكبر المتورطين بها

فارس خشّان
الخميس، 2 نوفمبر 2023

"الكيل بمكيالين" لعنة عالميّة لا تنحصر أضرارها بالفلسطينيّين فقط والمستاؤون منها أكبر المتورطين بها

يتعرّض الغرب لهجوم أخلاقي كبير على خلفية دعمه لإسرائيل في الحرب التي تخوضها مع “حركة حماس”، وتوجّه إلى حكوماته جملة من الإتهامات التي تتمحور كلها حول “الكيل بمكالين”، بحيث تبكي، مثلًا على مدنيّي أوكرانيا وتتجاهل مدنيّي غزة، وتلطم على ضحايا “طوفان الأقصى” الإسرائيليّين ولا تأبه بضحايا “السيوف الحديديّة” الفلسطينيّين!

وهذه الإتهامات تبدو في ظاهر الحال صحيحة، ولكنّها، إذا ما بقي نقاشها “عاطفيًّا” فهي ترتد أيضًا على مطلقيها، إذ إنّ إيران وغالبيّة “محور المقاومة”، تعاطوا ويتعاطون مع مئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا ويسقطون في سوريا على أساس أنّهم “إرهابيون”، ولا يقيمون ومعهم كيانات وعددًا من الدول أيّ اعتبار لما يحصل ضد المدنيين في أوكرانيا، ولا يرفع أيّ منهم صوتًأ واحدًا ضد ما يلحق بالأكراد من “ظلم تاريخي” بل يشاركون في “تأبيده”، ويعتبرون أنّ ما يرتكبه النظام الإيراني ضد شعبه عمومًا ونسائه خصوصًا “ضرورة”، ويتجاهلون صرخات الفئات المضطهدة في لبنان والعراق واليمن ويحيلونها الى “ميزان القوى”.

بطبيعة الحال، هناك مئات الأمثلة التي يمكن استنباطها من التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة، وكلّها تصب في خانة التأكيد على أنّ سياسة “الكيل بمكيالين” ليست حكرًا على الغرب عندما تتعلّق المسألة بالمسلمين كما قال، قبل أيّام الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي تجاهل في “تطييف” النظرة الى الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”حركة حماس” أنّ الغرب هو الذي قاد حملة مناصرة مسلمي يوغوسلافيا السابقة، وهو الذي يُبقي قضية مسلمي الصين في الوجدان الدولي!

ولكن ما هي خلفية دعم الغرب لإسرائيل على حساب “حركة حماس”؟

من المنصف القول إنّ الغرب تتقدمه الولايات المتحدة الأميركية كان من أعنف مهاجمي الحكومة الإسرائيليّة الأخيرة، وكان قد بدأ باتخاذ إجراءات ضدّها، بفعل نهجها المتطرّف.

وانضمّ الغرب إلى الإسرائيليّين والفلسطينيّين الذين يعارضون هذه الحكومة الإسرائيليّة بقوة ويتهمونها بأنّها تقود إسرائيل الى نهاياتها وتخلق كل الأجواء التي من شأنها التسبّب بحرب أهليّة.

ولكن قبل أن توتي هذه الحملة ثمارها، شنّت “حركة حماس” هجومها على غلاف غزّة، فانقلبت المعطيات رأسًا على عقب!

ما حصل في “غلاف غزّة”، بغض النظر عن التضخميات الملفقة، لا يمكن للغرب أن يتعاطى معه، كما لو كان فعلًا مقاومًا وتحريريًّا، فهو، بغالبيّة دوله، تعرّض لنموذج من نماذجه.

ومن ارتكب هجوم 11 أيلول( سبتمبر) 2001 في نيويورك، ومن قام بالهجومات الإرهابية في 13 تشرين الثاني( نوفمبر) 2015 في باريس وضواحيها، لم تكن تنقصه ، مثله مثل حركة حماس، “سردية المظلوميّة” وشعارات “المقاومة” وأدبيات “التحرير”.

وبهذا المعنى، وجد الغرب إسرائيل، في الأيّام التي تلت السابع من تشرين الأوّل( أكتوبر) الماضي، في وضعية شبيهة بوضعيّته هو، فاصطف معها من دون أي قيد أو شرط، ودعم إجراءاتها العقابيّة، بما فيها إصدار “عقوبة الإعدام” بحق “حركة حماس” وتنفيذها!

واستفاد اللوبي الصهيوني الناشط في الإعلام الغربي من هذا “التشابه” ومارس نفوذه على وسائل الإعلام حتى تصطف بدورها، بشكل واضح لا لبس فيه، مع الدعاية الإسرائيليّة.

ولكنّ مع تقدّم الأيّام وظهور “الإنحرافات الخطرة” في الرد الإسرائيلي “تحسّن” الموقف الغربي عمومًا، بما فيه موقف أكثر الدول دعمًا لإسرائيل “المجروحة” فاحتلّت مسألة ضمان أمن المدنيين الواجهة، وأصبحت “الخبز” اليومي للحكومات التي تتعرّض لضغط كبير من الشارع.

وهكذا وجدت إسرائيل نفسها في “مأزق”، فهي لتنتصر على “حماس” عليها إمّا أن تتخلّص من المدنيّين بتهجيرهم أو تواجه نقمة العالم بسبب استهدافهم.

ولكنّ الغرب، بالمحصلة، في ضغطه على إسرائيل لتجنيب فلسطينيّي غزة “الكأس المرة” لن يكون حليف “حركة حماس” ممّا يمكنها من الإنتصار على إسرائيل، لأنّ الغرب ليس من مناصري “محو إسرائيل من الوجود”، وتمكين “حماس” من الإنتصار هو ، وفق ما يعتقده المحللون واصحاب القرار معًا، لا يكتب بداية نهاية “الكيان العبري” الذي يقوم على “جذب المواطنين” و”التفوق العسكري النوعي”، فحسب بل على نشر فوضى غير مسبوقة على امتداد الشرق الأوسط وإحداث انقلابات خطرة في نظام الإستقرار الإقليمي، أيضًا!

إذن، لا يوجد كيان واحد بريء من انحرافات “الكيل بمكيالين”، فالجميع متورطون باعتماده، أعداء أكانوا أم حلفاء، لأنّ الدول، بالمحصلة، مهما دافعت عن “أخلاقياتها” فهي تقدّم مصالحها الإستراتيجيّة على كل المبادئ الإنسانيّة. وما يصح على الدول يصح أيضًا على الأفراد!

نشر في “النّهار العربي”

المقال السابق
على مدار ٢٧ سنة.. هندي تسعيني يفشل في تطليق زوجته

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

نقاش بالصوت والصورة/ معادلة تل أبيب بيروت وانعكاساتها الكارثية على لبنان في حال لم تسرّع التسوية حلولها

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية