"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الخرطوم ضحية "صراع الفيلة" في السودان.. القصّة!

نيوزاليست
السبت، 15 أبريل 2023

الخرطوم ضحية "صراع الفيلة" في السودان.. القصّة!

تتصاعد التطورات الأمنية في السودان بشكل متسارع، منذ ظهر السبت، بعد الاشتباكات بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو. وكان البرهان وحميدتي يشكلان جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 تشرين الأوّل 2021. إلا أن الصراع بينهما ظهر الى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد. وقبل يومين، حذر الجيش السوداني في بيان من أن البلاد تمر بـ”منعطف خطير” بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية. ويأتي اندلاع هذا النزاع المسلح فيما يشهد السودان انسدادا سياسيا بسبب الصراع بين الجنرالين.

قوات الدعم السريع، في 2013، وهي مليشيات شبه عسكرية مكونة من قوى الجنجويد

بدءا من 2015، شرعت قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في إرسال قوات للاشتراك في الحرب في اليمن في صفوف القوات السعودية والإماراتية، ما سمح لدقلو المعروف أيضا باسم حميدتي بإقامة علاقات مع القوى الخليجية

في 2022، زار دقلو روسيا عشية غزوها أوكرانيا وأبدى انفتاحه على بناء قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر

يبدو ان صراع “فيلة” القيادات في السودان التهمت الوساطات لتجنب خروج الاوضاع الخرطوم عن السيطرة، حيث إندلعت “المعركة” فجأة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لتعكس حماوة الصراع على سدّة منصب سيحصد خسائر بشرية ومادية جسيمة، إذ كانت العاصمة على موعد مع توتر وفوضى أمنية بين الطرفين، بعد أن تفلّتت الأوضاع بشكل متدهور عكسه اطلاق النار والاشتبكات، وتقطّعت الأوصال ما تسبّبب بحالة هلع كبيرة وسط المواطنين السودانيين الذين أجبروا على العودة عن الجسور المغلقة راجلين وسائقين بعد إغلاقها.

حماوة المواجهات بين الجانبين في الخرطوم عكستها التهامات المتبادلة وتصاعد أعمدة دخان من أماكن مختلفة وانتشار الجنود في الشوارع، على وقع دوي انفجارات، ما أدى الى توقف حركة الطيران، وسط انتشار عسكري داخل مطار الخرطوم حيث أعلنت قوات الدعم السريع، سيطرتها عليه وعلى قاعدة مروي الجوية، فيما أعلن الجيش السوداني التصدي للقوات التي حاولت مهاجمة وحداته بمنطقة المدينة الرياضية.

وكانت قوات الدعم السريع اتهمت الجيش السوداني بمهاجمة إحدى قواعدها في الخرطوم، فيما أعلنت مجموعة من الوسطاء بينهم قادة لجماعات شبه عسكرية في بيان، أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مستعد للإقدام على أية خطوة تعين على حلحلة الإشكال الطارئ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وإعادة الأمور نصابها”.

في وقت لاحق، صدر تعميم عن مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة موجه للشعب السوداني، جاء فيه:“في مواصلة لمسيرتها في الغدر والخيانة حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة قواتنا في المدينة الرياضية ومواقع اخرى وتتصدى لها قواتنا المسلحة.. الله أكبر والعزة لوطننا الغالي”.

يأتي التدهور بين الطرفين على خلفية خطة انتقالية تفضي إلى انتخابات جديدة، ليكشف حجم الانقسام والصراع على الامساك بزمام السلطة، بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو المعروف في السودان باسم حميدتي، والذي يشغل منصب نائب الرئيس، حول من سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج للقوات شبه العسكرية في الجيش بموجب خطة انتقالية تفضي إلى انتخابات جديدة، فقوات الدعم السريع ترى أن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة وهو ما يرفضه الجيش.

وكانت قوات الدعم السريع، التي أطاحت مع الجيش بالرئيس السابق عمر البشير في 2019، أعادت نشر وحداتها في العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى وسط محادثات بدأت الشهر الماضي، واتهم الجيش السوداني قوات “الدعم السريع” بحشد عناصرها وتحريكها في الخرطوم ومدن أخرى دون التنسيق معه، ما أدى الى تفاقم التوتر بين الطرفين، خصوصاً بعد أن حركت قوات الدعم السريع بعض قواتها قرب مطار عسكري في مدينة مروي الشمالية، وذلك بعد أسابيع من الانتشار، في تحركات قال الجيش إنها حدثت دون موافقته.

الجنجويد

ما هي قوات الدعم السريع؟

منذ سنوات، أشارت تقارير إلى أن “التباين بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع سيؤدي إلى عرقلة الانتقال السياسي في السودان”، ناهيك عن دورها في “تقويض الديمقراطية بالبلاد من خلال التمرد، وتوسيع وصولها إلى الموارد الاقتصادية التي تضمن قوتها المؤسسة على المدى الطويل”.

كانت بداية ظهور قوات الدعم السريع، في 2013، وهي مليشيات شبه عسكرية مكونة من قوى الجنجويد، كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهد الرئيس الأسبق، عمر البشير، خلال الحرب في دارفور. وتتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في تلك الفترة، ناهيك عن استخدامها في قمع المعارضين واضطهادهم.

الفريق أول محمد حمدان دقلو هو قائد قوات الدعم السريع، ويشغل في الوقت الحالي منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم. ويقدر محللون عدد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد.

وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها “قوات عسكرية قومية التكوين تعمل تحت إمرة القائد العام، بهدف إعلاء قيم الولاء لله والوطن، وتتقيد بمبادئ القوات المسلحة”، مشيرة إلى أنها تعمل بموجب “قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017”.

في يوليو من عام 2019، تم تعديل قانون قوات الدعم السريع بحذف مادة منه تلغي خضوعه لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش.

نمت القوات بمرور الوقت واستُخدمت كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية. وإضافة لذلك، نمت أعمال دقلو التجارية بمساعدة من البشير، ووسعت أسرته ممتلكاتها في تعدين الذهب والماشية والبنية التحتية.

بدءا من 2015، شرعت قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في إرسال قوات للاشتراك في الحرب في اليمن في صفوف القوات السعودية والإماراتية، ما سمح لدقلو المعروف أيضا باسم حميدتي بإقامة علاقات مع القوى الخليجية.

في أبريل 2019، شاركت قوات الدعم السريع في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالبشير. وفي وقت لاحق من ذلك العام، وقع حميدتي اتفاقا لتقاسم السلطة جعله نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم الذي يرأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

قبل التوقيع في 2019، اتُهمت قوات الدعم السريع بالمشاركة في قتل عشرات المحتجين المناصرين للديمقراطية. واتُهم أيضا جنود قوات الدعم السريع بممارسة العنف القبلي، مما أدى إلى رفع حميدتي الحصانة عن بعضهم للسماح بمحاكمتهم.

شاركت قوات الدعم السريع في انقلاب أكتوبر 2021 الذي عطل الانتقال إلى إجراء انتخابات. ويقول دقلو منذئذ إنه يأسف لحدوث الانقلاب وعبر عن موافقته على إبرام اتفاق جديد لاستعادة الحكومة المدنية الكاملة. في 2022، زار دقلو روسيا عشية غزوها أوكرانيا وأبدى انفتاحه على بناء قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر.

طالب الجيش السوداني والجماعات المناصرة للديمقراطية بدمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش. وصارت المفاوضات بهذا الشأن مصدرًا لتوتر تسبب في تعطل عملية توقيع كانت مقررة في الأصل في الأول من نيسان.

تمتلك القوات مقرات ومراكز في العاصمة، الخرطوم، وفي بعض المدن الأخرى، بالإضافة إلى الحدود مع ليبيا وإريتريا لمراقبة الحدود ووقف تدفق المهاجرين.

من هو دقلو؟

الفريق أوّل دقلو من مواليد العام 1975 ويتحدّر من قبيلة عربية بدوية على الحدود بين تشاد والسودان. وكان صرح في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أجريت في عام 2016، أنه كان تاجرا في دارفور يبيع الجمال والأغنام في السودان وليبيا وتشاد.

عندما توقفت التجارة جراء المعارك في دارفور، العام 2003، توجه إلى مدينة نيالا للانضمام إلى وحدة حرس الحدود التي تقودها الخرطوم.

وبهدف مواجهة حركة التمرد التي يقودها أشخاص معظمهم من أصول أفريقية، شكّل النظام مجموعة عرفت بـ “الجنجويد” تضم مقاتلين من العرب الرحل وسلحهم.

لكن هذه الميليشيات كانت تتمرد أحيانا على النظام. وأصبح دقلو بنفسه في وقت من الأوقات متمردا. وظهر في وثائقي نشره التلفزيون البريطاني وهو قائد ميليشيا تستعد للتمرد على الخرطوم.

في الفيلم الوثائقي الذي صور في ريف دارفور، يظهر دقلو ببزة عسكرية وهو يخفي جزءا من وجهه، وينفي أي ضلوع له في ارتكاب تجاوزات. إلا أنه غيّر موقفه بسرعة، وفي عام 2013، عين قائدا لقوة جديدة مؤلفة خصوصا من ميليشيات سابقة هي “قوات الدعم السريع”.

مع تنامي دور ونفوذ قوات الدعم السريع تحدثت تقارير عن سيطرتها على عدة مناجم للذهب، والتي تديرها شركة الجنيد المرتبطة بـ “حميدتي”، ناهيك عن حراستهم لمناجم في دارفور وكردفان، وفق ما نقلته مؤسسة كارنيغي.

تسيطر قوات الدعم السريع على منجم ذهب في جبل عامر منذ 2017، إضافة إلى مناجم أخرى في جنوب كردفان، وهي تعد مصدرا هاما لتمويل تلك القوات، وجعلها قوة مادية وعسكرية ذات نفوذ واسع في السودان، بحسب تحليل المؤسسة.

كشف تحقيق لرويترز عن منح الرئيس المخلوع، البشير، الحق لـ “حميدتي” بالتعدين، في عام 2018، عندما كان السودان يعاني اقتصاديا.

اتفاق الفيلة في السودان

سر الخلاف

الجمعة، قالت مصادر مقربة للبرهان ودقلو إنهما ما زالا على خلاف حول من سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج التي ستمتد عدة سنوات.

وتقول قوات الدعم السريع إن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة، وهو ما يرفضه الجيش.

وأدى الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى تأخير التوقيع النهائي على اتفاق مع الأحزاب السياسية وتشكيل حكومة مدنية.

ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لانهاء الأزمة التي تعيشها البلاد، بسبب خلافات بين الأخير ودقلو.

ويعود السبب الرئيسي لعدم توقيع الاتفاق الى الخلافات بين البرهان ودقلو حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش. ويمكن أن تؤدي أي مواجهة بين الجانبين إلى صراع طويل الأمد في السودان الذي يواجه بالفعل انهيارا اقتصاديا وتفجرا للعنف القبلي.

واتهمت قوى الحرية والتغيير، وهي التحالف الرئيسي المؤيد للديمقراطية في السودان، “فلول” نظام البشير بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف مكون من أحزاب مؤيدة للديمقراطية، في بيان “المخطط الحالي هو مخطط لفلول النظام البائد يهدف لتدمير العملية السياسية”.

وشاركت قوى الحرية والتغيير في اتفاق لتقاسم السلطة مع الجيش بعد الإطاحة بالبشير إلى أن حدث انقلاب آخر في عام 2021 عندما أطاح الجيش وقوات الدعم السريع بالقيادات المدنية واستوليا على السلطة.

ويقول قادة الحرية والتغيير إن من أبرز أهداف تشكيل حكومة مدنية جديدة هو تطهير القطاع العام من الموالين للبشير، الذين عاودوا الظهور بعد انقلاب تشرين الأوّل 2021.

وخلال حكم البشير، الذي استمر لثلاثة عقود، كان للموالين لحزب المؤتمر الوطني أولوية في شغل المناصب بالحكومة والجيش.

وقالت الأطراف المدنية في الاتفاق المعلق في بيان منفصل، الخميس، إن عناصر حزب المؤتمر الوطني يسعون بشكل حثيث “لإثارة الفتنة بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودق طبول الحرب” ليتسنى لهم العودة للسلطة.

وقال حميدتي إن عودة أنصار البشير للساحة جعلته نادما على الانقلاب ودفعته لدعم الاتفاق لبدء مرحلة انتقالية جديدة.

ويرى محللون أن الرغبة في الحد من انتشار الإسلام السياسي هي الدافع وراء الدعم الأجنبي للاتفاق الذي توسطت فيه قوى غربية وخليجية وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وفي العام 2019 وفيما كان السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يبدأ مسيرة الانتقال الديموقراطي ويحظى بدعم المجتمع الدولي بعد حكم ديكتاتوري استمر 30 عاما، شكلت قوى الحرية والتغيير حكومة مدنية تقاسمت حكم البلاد مع العسكريين وكان يفترض أن تقود البلاد إلى انتخابات حرة لتسليم السلطة كاملة للمدنيين.

لكن في 25 تشرين الاول 2021 وفيما كان استحقاق الانتخابات يقترب، أغلق البرهان الباب أمام هذا التحول الديموقراطي على نحو مفاجئ، بعدما قاد انقلابا واعتقل معظم الوزراء والمسؤولين المدنيين.

ومنذ ذلك الحين، تغوص البلاد في أزمة سياسية واقتصادية فيما علق المجتمع الدولي كل مساعداته بعد الانقلاب.

نفى “حميدتي” في مقابلة مع صحيفة “إندبندنت” البريطانية، عام 2019، أنه يجمع ما بين “السلطة والثروة”، رافضا الاتهامات بحقه حول امتلاكه مناجم ذهب.

قال حميدتي حينها: “لا أملك مناجم.. ليس هناك سوى منجم واحد في جبل عامر وثمة شراكات مع آخرين” وبعضها يعاني التعثر، مشيرا إلى أنه “يتم دفع الزكاة ورسوم التصدير”، وشدد على سلامة الإجراءات القانونية التي تحكم عمل هذه الشركات.

وقالت صحيفة الغارديان في تقرير لها، عام 2020، إن شقيق “حميدتي”، عبد الرحيم دقلو، وأبناءه يملكون شركة “الجنيد” وهي التي تسيطر على التنقيب عن الذهب، وأن محمد حمدان دقلو أحد أعضاء مجلس الإدارة.

المقال السابق
رجل "يؤكل حيا" من بق الفراش في سجن أمريكي
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الأخير) .. طموحات وانقلابات ونتنياهو وحماس

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية