أحمد عياش - نداء الوطن
عاش المفكّر والعلّامة السيّد محمد حسن الأمين ليروي قصة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني مع لبنان. وأهم ما في هذه القصة، أنّ الخميني كان يتطلع إلى العيش في لبنان. والسبب أنّ العراق الذي كان مقر اقامته إبّان حكم الشاه لم يعد يرغب في بقائه أيام حكم صدام حسين. ويمضي الأمين في قصته: «إقترح ياسر عرفات أنه لا بدّ للإمام الخميني أن ينتقل من العراق، وأنّ الموقع المناسب الذي يتيح للثورة الإسلامية أن توفّر للإمام الخميني الظروف السياسية والأمنية المطلوبة، هو لبنان، وتحديداً البقاع. كلّفتُ بعد هذا القرار (من عرفات) بالانتقال إلى النجف. وهناك طرحت على الإمام فكرة الانتقال إلى لبنان، فوعد بأنّه سيدرس الموضوع ويجيب عليه سريعاً». ويضيف الأمين أنّ الخميني وافق لاحقاً على عرض الانتقال إلى لبنان. وتابع: «سارع عرفات إلى لقاء الرئيس السوري حافظ الأسد. وبكلّ أسف واختصار، فإنّ اللقاء كما علمت من عرفات انتهى إلى الفشل بسبب عدم اقتناع الأسد بالاقتراح».
وخلص الأمين في قصته إلى القول: «هنا أفضي بسرّ لا يعرفه إلا قلّة، وهو أنّ عرفات حين سألته عن السبب الحقيقي لموقف الأسد، أجابني أنّ الأسد لم يكن ميّالاً إلى الاعتقاد بأنّ الثورة الإسلامية ستحقّق أهدافها. ربّما كان يرى أنّ أميركا والغرب سيدعمان شاه إيران لدرجة تمكّنه من القضاء على هذه الثورة، وبالتالي، كما قال عرفات، فإنّ الأسد كان يحسب حساباً كبيراً لردّة الفعل التي سيقوم بها شاه إيران ضدّ العرب عموماً، وسوريا خصوصاً». هناك تفاصيل أوسع لهذه القصة يضيق المجال في هذا المقال لعرضها. لكن لماذا، لماذا العودة إليها اليوم؟
السبب الأول، هو صدور كتاب «قصاصات العلامة السيد» الذي تضمن فيضاً من أفكاره. أما السبب الثاني، فهو التفكير ملياً في العلاقة بين لبنان والمكوّن الشيعي سواء في الوطن أو خارجه.
لنضع موضوع الكتاب جانباً. ولنذهب إلى موضوع الشيعة من منظور الكيان. فلو عدنا إلى قصة الأمين حول رغبة الخميني في الانتقال من العراق إلى لبنان، لوجدنا أنّ عرفات الذي تمتع بنفوذ في هذه البلاد لم يحظ بمثله خارجها، بما في ذلك مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فكّر أن يؤازر الخميني في المجيء إلى لبنان. وكيف لا، ولبنان قد منح لعرفات ولكثرة من الفلطسينيين ملاذاً بعد نكبة عام 1948. أما حافظ الأسد، فحرم الخميني من تحقيق هذه الرغبة لأسباب أوردها الأمين.
ما يهم القول بعد مضي ما يقارب النصف قرن على وقائع القصة، إنّ لبنان وقبل نفوذ عرفات وسطوة الأسد، كان في طبيعته ملاذاً للمضطهدين من كل شتات العالم. تشاء الأقدار أن يصبح لبنان مجدداً، ولكن بالرغم منه، ملاذاً للنفوذ الإيراني المتحدر من مشروع الخميني. ومن دون الغوص في الأسباب، نتوقف عند البيان الصادر أمس عن المطارنة الموارنة وتضمّن رفضهم «زج لبنان في الحرب الاسرائيلية - الفلسطينية التي نأت عنها الدول العربية، ونطالب بإبعاد الأذى الذي يعانيه أهلنا في الجنوب عن لبنان كله».
لم يقل المطارنة، وهم معذورون، إنّ حفدة مشروع الخميني هم الذين يزجون لبنان في حرب غزة. لكن، من الواجب التفريق بين من هم أصلاً من أرض لبنان وبين هذا المشروع. حتى الخميني نفسه، ولو قيض له أن يعيش في لبنان، هل كان ليرتضي أن يتحوّل لبنان إلى مقبرة بدلاً من أن يكون ملاذاً؟