"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الكاذبون... بيننا!

كريستين نمر
الخميس، 8 فبراير 2024

الكاذبون... بيننا!

هل الزميلة التي تزعم بأنّها على علاقة وطيدة بزوجة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو الصديق الذي يدّعي معرفته بخفايا لقاءات كبار قادة العالم، أو ذاك الذي يختلق تفاصيل عطلة أمضاها على يخت رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد… هل جميعهم مجانين تمامًا؟ أم يسعون إلى لفت الانتباه من خلال تضخيم مواهبهم لإخفاء شيء ما…؟

وفقًا للدراسات العلمية، يتعلّم الإنسان الكذب منذ سنّ الثانية، ولا يتوقّف الأهل عن تطوير هذه “المهارة”، حتى يصبح محترفًا في “فنّ” تضليل أحبائه وزملائه وأصدقائه ومعلميه ورؤسائه… أوليست الاعتذارات لتبرير تلكؤ ما، والمجاملات الزائفة وخلاف ذلك كلها أكاذيب مغلّفة بمهارة، للهروب من العقاب أو خداع المستمع؟

وماذا عن أولئك الذين يجعلون من الكذب نمط حياة حقيقي، ويُعرفون ب”كبار الكذابين”، إلى درجة أن البعض يرى في أدائهم شذوذًا حقيقيًا يُسمى ب “الكذب القهري” أو “الميثومانيا، نقصد هنا النصابين، والمحتالين، والمخادعين، أو أولئك الذين يمتهنون مهنًا حيث الكذب يكاد يكون طبيعتهم الثانية، كالسياسيين والمعلنين والدعائيين والمحازبين على سبيل المثال لا الحصر. وهناك فئة ربما قد يكون الجميع قد صادفها على الأقلّ مرة واحدة في حياته، تلك التي من دون سبب ظاهر ولا استفادة ملموسة، تقضي وقتها في سرد قصص غريبة، وصناعة أعذار مزيّفة، وإضافة تفاصيل غير موجودة، أي تبتكر حياة ويوميات لا تتناسب مع واقعها، تكذب كما لو كان الأمر غريزيًا، وبشكل متكرر وعن سابق تصوّر وتصميم، فلماذا تتحمّل المخاطرة بالتباهي بإنجازات من وحي خيالها أمام أصدقائها وأحبائها؟

لفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل، اهتم الباحثون في البداية بالأكاذيب العادية، حيث تبيّن أنّ الشخص ينتج ما معدّله كذبتين في اليوم وأنّ ما بين ٢٠ إلى ٣٠٪ من المحادثات تكون كذبًا وتلفيقًا، ويعترف أكثر من ٩٠٪ بأنهم يكذبون بانتظام على أسرهم وأصدقائهم، ويرى نحو ثلثين منهم أن ليس هناك أي مشكلة على الإطلاق في ذلك.

وتشير الدراسات إلى أنّ غالبية “كبار الكاذبين” هم من فئة الشباب، ولا يتمتعون عن غيرهم بأي فائض من الذكاء، لكنهم لا يرون في الكذب أي ضرر، لا بل على العكس قد يرونه مقبولًا وحتى ضروريًا في الكثير من الأحيان، ويرى الخبراء النفسيون بأن هؤلاء الأشخاص يفتقدون للرحمة والرأفة ولا يتعاطفون مع الآخرين، ويعانون من قلّة الثقة بالنفس والغير، ولديهم “مسحة” من المكيافيلية والنرجسية والسيكوباتية، وهي مزيج من الصفات السامة التي تشكّل ما يُعرف بـ “مثلّث الظلام”، حيث أنّ الأشخاص الذين يتسّمون بهذه الصفات الثلاث، يكون لديهم ميلًا كبيرًا للهيمنة الاجتماعية.

أو الكذب القهري La mythomanie

وفقًا لعالمَي النفس ديرو كورتيس وكريستيان هارت من ولاية تكساس، إن مشكلة “الميثومانيين” ليست بكثرة الأكاذيب التي يروونها، ولكن بتأثير هذه الأكاذيب السلبي على حياتهم اليومية، وبالمعاناة التي تسبّبها لهم والمخاطر التي يتعرضون لها.

ويقول كورتيس وهارت أنّ ما بين ٨ و١٣٪ من هؤلاء الأشخاص يعانون من سلوكهم، الذي يضعهم في مواقف غير مريحة لا بل مخجلة ومحرجة في كثير من الأحيان، يتسبّبون بإحراج عائلاتهم ومحيطهم. ويشرح الباحثان أنّ سلوك هذه الفئة من الأشخاص له طابع اضطرابي، يجعلهم غير قادرين على السيطرة على أكاذيبهم التي غالبًا ما يندمون عليها، خاصةً أنهم يطلقونها من دون سبب واضح، ما وصفاه ب “انهيار الأكاذيب وتراكمها فيصبح من المستحيل التراجع عنها”.

أما عن سبب إغراق الإنسان نفسه في مستنقع الأكاذيب هذا، يقول ديرو كورتيس وكريستيان هارت: ” إذا تعمّقنا بالبحث في ماضي هؤلاء الأشخاص نرى أن السبب الأساسي قد يكون الخجل من شيء ما في ماضيهم، كأصولهم المتواضعة التي يرغبون في التخلّص منها والتي تشعرهم بالدونيّة، فيعتمدون الكذب كنوع من الهروب إلى الأمام وكطوق نجاة بعد تجاوزهم نقطة اللاعودة، ويختلقون حياة مزيّفة للتكيّف مع واقعهم وتقبّله ظنًا منهم أنهم يرفعون من شأنهم إلى مستويات عالية”.

كل كاذب بحاجة إلى جمهور

ووفقًا للدراسات فإن ١٠٪ من الأشخاص ينتجون ٢٥٪ من الأكاذيب، وفي المحادثات مع شخص غريب يتحمل ٢٥٪ من المشاركين مسؤولية ٧٢٪ من الأكاذيب، وقد قال الطبيب إرنست دوبري في العام ١٩٠٥ في وصفه للميثومانية: “يتحوّل المستمع إلى وكيل لتسويق أكاذيب الراوي الذي يتمتع أساسًا بذكاء اجتماعي فائق وبقدرة على جذب الآخرين، وتساهم البيئة في نشأة وتفشي ظاهرة “الكاذب القهري”، لأنه ببساطة، وجد أشخاصًا يتمتعون بزيف أخباره”.

وسواء جاء سرد الأكاذيب هذا خدمة للخيال أو هروبًا من الواقع أو إستراتيجية للتباهي أو للنصب والخداع والتضليل… يبقى عيبًا أخلاقيًا وفعلًا حرّمته الأديان كافة، ولا يعفي مُطلقها من تهمة الانتماء إلى فئة الغشاشين والنصابين، ولا من مواجهة مخاطر تتراوح بين التعرّض للسخرية والمحاكمة القضائية، لأن حرمان الآخرين من الحقيقة مهما كانت بسيطة… لا يمكن السكوت عنه.

المقال السابق
"سرير جليدي".. لقطة مذهلة لدب قطبي يأخذ قيلولة تفوز بجائزة العام
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

دراسة مثيرة.. هذا ما يحدث للدماغ عندما نقع في الحبّ!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية