مثاليون، مُقْنعون، مُلهِمون، واثقون من أنفسهم … يُطربك كلامهم، يجذبك حديثهم، حتى أنك لا تشعر بالوقت يمرّ وانت تتابعهم، فما أن تطأ أقدامهم مكانًا حتى تتجّه الأنظار ناحيتهم، فيسود الصمت، وتشخص العيون… يقابلون منتقديهم بابتسامة وهدوء، كل شيء معهم يبدو أسهل، أفكارهم غزيرة، حجتّهم قويّة، روحهم مرحة، متألّقون ومتواضعون في العمل كما في الحياة… إنها الكاريزما أو القدرة على جرف كل شيء بطريقها، وقد وصفتها المدربة التنفيذية إيلينا فوريس Elena Fourès مؤسسة شركة Idem per Idem بأنها “إحدى المهارات اللّينة لنجاح أي قائد مهنيًا، إلا أنها التقنيّة الأكثر صعوبة”.
Elena Fourès
وذهبت Darrieutort Marion في كتابها ” Le temps des Leaders Pop” إلى وصف الكاريزمي بالشخص “الذي لا يخاف سبر أغوار المجهول حتى لو اضطر أن يسلك طريقًا محفوفًا بالمخاطر”.
فهل هي موهبة فطرية؟ أو نعمة ربانيّة؟ أو مجد يُكتسب بفضل الجهد والعمل على الذات؟
في استطلاع أجرته شركة Michael Page لمعرفة ما يريده عادة الموظف من مديره، ظهر بشكل أساسي حاجة ٥٤٪ من الموظفين إلى ما أسموه” القائد المُلْهَم ”، طبعًا لا يعني هذا، أن من يسعى لتحقيق التميّز، سواء كان مديرًا أو موظفًا، يقول “أود أن أكون مصدر إلهام”، إذ لا يوجد اختصاص بهذا الاسم يتمّ تدريسه في المدارس والجامعات، وقد يكون السبب ربما، بأنّ أصل المصطلح يعود إلى كلمة إلهام أو “التحرّك بنفخ إلهي”، فتعزيز ملكات الخلق، والخيال، والاختراع والابداع، له ما يشبه نظام التدخّل الأعلى، إلا أنه قد يمكن وضع بعض الأشخاص على طريق الكاريزما وهذا ما أكده Lionel Bellenger المدير الأكاديمي في HEC في باريس ومؤلف كتاب La vérité sur le charisme، حيث قال فيه “إنّ نقيض الكاريزما هو الإخلال بالوعد.” وتحدث عن سبع ثوابت متواجدة بشكل منهجي في الشخصيات الكاريزمية هي:
١- الثبات والثقة بالنفس: ترتكز بشكل أساسي على إثبات الوجود وعلى طريقة تقديم الذات التي هي أحد العناصر الرئيسة لهذا الحضور “الشهير” ويقول: “في كثير من الأحيان، يتم تحديد الكثير من الأشياء في الدقائق الثلاث الأولى، إذ، كيف يمكن أخذ شخص على محمل الجدّ إذا دخل متأخرًا، مستعجلًا وأشعث الشعر مثلًا”؟
٢- الموهبة: كثيرون هم الأشخاص الذين يكونون عير قادرين على الوجود بمفردهم على الرغم من موهبتهم، فنجدهم غير قادرين على الدفاع عن فكرتهم، فتأتي حجتهم خالية الوفاض، فلا نصدّق مثلًا أنهم كانوا على رأس مشروع كبير أو أحد أركانه الأساسيين، فبمجرد أن “يُحشروا” في سؤال ما، حتى يتلعثموا ويورّطوا أنفسهم بإجابات قد لا تكون على قدر موهبتهم، فتراهم يتلفّتون يمنة ويسرة، طالبين العون من أي شخص قد يكون بجانبه حتى لو كان أقل كفاءة منهم.
٣- المخاطرة: يميل الأشخاص ذوو الكاريزما إلى المخاطرة من خلال البحث عن طرق جديدة للقيام بأشياء غالبًا ما تكون لها علاقة بالشغف والرؤية، فيتحدّون الوضع الراهن ويركبون المخاطر لتحويل أفكارهم إلى وقائع.
٤-الرؤية: إن الكارزميين لديهم أهداف واضحة المعالم ، يسعون إلى تحقيقها ودمجها مع الثقة بالنفس، وهي أهداف قد تكون مذهلة لمن حولهم، فهم، على الرغم من احترامهم لماضيهم، إلا أنهم لا يتعلّقون به.
٥-التعاطف: من مميزات الشخص “الكاريزمي” تعزيز وإثراء حياة من حوله، ويكون ذلك بتقديم طروحات حقيقية وفعّالة لمساعدة الآخرين الذين يمتنّون له، فإشعار الآخر بأنه الشخص الوحيد موضع الاهتمام في تلك اللحظة، صفة يُعجب بها الناس.
٦- الشدّة والعزم: إنّ الشدّة والعزم هما الدافع وراء تقدّم القائد، فتجده غير آبه بالصعوبات، لا يعرف الاستسلام، مثابر، يواجه ويتأقلم بسرعة، فهذا الدافع في المضي قدمًا، يحفّزه على العمل بجديّة أكبر لتحقيق مبتغاه.
٧- المظهر: يلعب دورًا هامًا، إلا أنه يتعيّن عدم الخلط بين الإغواء والكاريزما، فالمظهر هو ما يبقى عالقًا في أذهاننا من شخص قابلناه، وليس للجمال أي علاقة، ويسأل Lionel Bellenger “هل كنت ستقول إن الجنرال ديغول كان جذاباً مثلًا؟” كذلك يستشهد بالملاح François Gabart ، الملقب بـ “أمير البحار الصغير”، الذي لا يتجاوز طوله ١،٧٠مترًا، “طبعًا لا ننكر إنه وسيم”، يضيف Bellenger “إلا أنّ ما يميّزه هو مثابرته طيلة ٢٠عامًا في السعي وراء حلمه،عابرًا المحيطات والمعابر الفردية قبل الوصول إليه”، من هنا يرى أنّ “الكاريزما مرتبطة ارتباطً ا وثيقًا بقناعات الشخص وقدرته على التعبير عنها”.
وفي قبوٍ تحت الأرض، في أحد شوارع منطقة إيل دو لا سيتي في باريس، حيث أطلقت عليه اسم “ملعب الخيمياء”، تستقبل Elena Fourès زبائنها لتدريبهم، وقد تعمّدت أن يكون سقفه شفافًا لتذكيرهم في كل مرة أرادوا النظر إلى الأعلى بأن لا حدود لطموحهم وبالتالي لا شيء يجب أن يحدّ من تطوّرهم” كما تقول، وتروي أنه في أحد التمارين عندما طلبت من المتدرّبين أن يقولوا عكس ما يفكّرون انهاروا، وانفجروا ضاحكين في أقل من دقيقتين من بدء التمرين، وانتقلوا إلى الحديث بما يجول بخاطرهم”.
ويستحضرني هنا تعريف نيتشه لل”كاريزما” حيث أسماها “إرادة القوة” إذ اعتبر أن جميعنا نملك الإمكانات، وقال: “إنها قناعة من الأعماق، وطاقة حيوية داخلية وإشراق شخصي يجعلك تحصل على ما تريده، إنها الشجاعة لتكون على طبيعتك”.