سلّم، حتى تاريخه، ثلاثة أطراف في لبنان بما يسمى بالدور الدفاعي ل”حزب الله”. الأوّل ، بطبيعة الحال، هو رئيس حركة أمل نبيه بري، الثاني، رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والثالث، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
برّي وجنبلاط تحدثا بمناسبات مختلفة عن أن مقابل مطلب إبعاد مقاتلي “المقاومة الإسلامية في لبنان” مساحة عشرة كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل يقتضي إبعاد الجيش الإسرائيلي المسافة نفسها، على اعتبار أنّ “حزب الله” يتولّى المنظومة الدفاعية حاليًا. واعتبر جبران باسيل أنّه في حال هاجمت إسرائيل لبنان “فنحن سوف نقف مع حزب الله”.
وهذا الكلام يعني أنّ هذه الأطراف اللبنانيّة لا تعتبر أنّ الجيش اللبناني مدعومًا من اليونيفيل، يمكن أن يؤدي الوظيفة الدفاعية المنوطة به، سواء بالدستور أو بالقرار 1701 الذي سبق أن التزم به لبنان، على كل المستويات، عند صدوره عن مجلس الأمن الدولي، في آب 2006.
وبغض النظر عمّا إذا كانت هذه المواقف “تكتيكيّة” أو نهائيّة، إلّا أنّها تروّج لقاعدة خطرة على لبنان، بحيث تعتاد الدبلوماسيّة الدوليّة على إحلال “حزب الله” مكان الدولة ومؤسساتها، ويبدأ عموم اللبنانيّين بالإستهانة بجيشهم الوطني.
وكان يمكن أن يكون لهذا النوع من التسليم بدور “حزب الله” الدفاعي مبرر منطقي وعملي وبراغماتي، لو أنّ إسرائيل شنّت هجومًا على لبنان، على اعتبار أنّه في وحدة حال مع قطاع غزّة، ولكن ما حصل أنّ “حزب الله” تخلّى عن الوظيفة التي كلّف بها نفسه، وهي “المقاومة”، وتحوّل الى تنظيم هجومي يعطي لنفسه حق شنّ “الحروب الوقائيّة”، بحيث فتح، من خارج أي تفاهم وطني، ومن دون العودة الى أيّ من مؤسسات الدولة، النار على شمال إسرائيل، بهدف مساندة غزة، مهدّدًا إسرائيل بحرب واسعة النطاق، إن هي نفّذت وعيدها بالدخول البري الى القطاع الفلسطيني الذي انطلق منه الهجوم على غلاف غزة في السابع من تشرين الأوّل الماضي.
وقد تدخلت الدبلوماسيّة الدوليّة من أجل الحيلولة دون تنفيذ “حزب الله” لوعيده، لأنّ من شأن ذلك جر المنطقة الى حرب إقليميّة.
وعندما بدأت إسرائيل باستيعاب الضربة القاسية التي تعرضت لها، في غلاف غزة، إنقلبت الآية، بحيث بات المهدِّد مهدَّدًا، والمهاجم مدافعًا، والمخيف خائفًا والمشترَط عليه واضعًا للشروط.
ولم يجد الوسطاء الدوليّون وسيلة لمنع “حزب الله” من توسيع الحرب سوى ضبط الواقع الحدودي على عقارب القرار 1701 الذي يُبعد مقاتلي “حزب الله” عن الحدود ويضعها بعهدة الجيش اللبناني المعزّز مدعومًا من اليونيفيل الموسّعة الصلاحيات.
وقد أربك هذا الطرح الجانب اللبناني، ففي حين لجأ “حزب الله” الى “التسويف” من خلال إرجاء كل بحث في الترتيبات الحدوديّة الى ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، إعتمد حلفاؤه ومن ضمنهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، إلى تقديم “المقاومة الإسلاميّة في لبنان” كما لو كانت هي “الجناح العسكري” للحكومة اللبنانيّة، بحيث لم يعد الجيش اللبناني مدعومًا من اليونيفيل، يمثل السيادة على الحدود الجنوبيّة بل “حزب الله”.
وقد أثار هذا الدفاع الذي اعتمده الجانب اللبناني استياء الوسطاء الدوليّين الذين كان لسان حالهم يقول: تعرفون أنّنا نعرف أنكم تعرفون أنّ حزب الله هو من قرر فتح حرب ضد إسرائيل، وأجبر الجيش اللبناني واليونيفيل على الإنكفاء حتى لا يدخلوا في مواجهة معه، ولذلك رجاء لا تتمسكنوا!
وقد خفض الوسطاء الدوليّون وتيرة مساعيهم، لأنّهم، حتى يغيّر “حزب الله” رأيه من التطورات الحدوديّة، فإنّ مجهودهم محكوم بالضياع هدرًا، من الجهة اللبنانيّة، وبالإستخفاف، من الجانب الإسرائيلي.
وفي اعتقاد مصادر غربيّة تعمل ضمن المجموعة المتحركة بين لبنان وإسرائيل إنّ موضوع “حزب الله” لن يمر على خير، فهو إن لم يتراجع عن الحدود رسميًّا، فإنّ حربًا واسعة سوف تقع، وحينها، لن يتدخل أحد في العالم ليوقف الحرب، إلّا على أساس تراجع “حزب الله” ليس عشرة كيلومترات فقط عن الحدود بل عن أحقيته في مصادرة الدور السيادي للجيش اللبناني المدعوم من اليونيفيل، أيضًا، وذلك لا يصب في خدمة إسرائيل، كما يحلو للبعض أن يقول، بل يخدم مصلحة لبنان العليا، في أن يتم إنقاذه من أن يكون، كلّما دق النفير الخارجي، متراسًا متقدّمًا في حروب الآخرين!