"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الإستحقاق الرئاسي في لبنان: المشكلة الأدهى في الناخب...الأقوى

فارس خشّان
الثلاثاء، 7 مارس 2023

الإستحقاق الرئاسي في لبنان: المشكلة الأدهى في الناخب...الأقوى

لا يُكمل معنى عبارة ” التجربة الأنبوبية” التي استعملها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي في وصف المرشّح الرئاسي ميشال معوّض سوى استعمال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أمس عبارة “المرشّح الطبيعي” في وصفه مرشّح “الثنائي الشيعي” الى رئاسة الجمهورية، سليمان فرنجيّة.

وفي الحالتين، لا وزن لهاتين العبارتين في القاموس السياسي الجدّي، ليس لأنّ “التجارب الأنبوبيّة” تنتج ولادات طبيعيّة وصلت الى أكثر من خمسين مليونًا في العالم، فحسب بل أيضًا لأنّه في السياسة لا يوجد “مرشّحون طبيعيّون”، بل مرشّحون يعطيهم الدستور والقانون الأهليّة الضروريّة!

ولعلّ أكثر شخص لا تنطبق عليه صفة “مرشح طبيعي” هو رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة، ليس لأنّ بيئته الشعبيّة، بالكاد أوصلت الى المجلس النيابي، في آخر انتخابات تشريعيّة، وريثه البيولوجي فيما بيئته السياسيّة بدت ملتصقة بمنافسه ميشال معوّض، بل لأنّ الجهة التي زكّته مرشحًا رئاسيًّا هي بذاتها غير طبيعيّة، ذلك أنّ “حزب الله” الذي اختار فرنجيّة ليس حزبًا سياسيًّا بالمعنى المتعارف عليه، إذ إنّه في آن، حركة طائفيّة وميليشيا مسلّحة وذراعًا إيرانيّة في المنطقة.

ولبنان، في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخه، لا يحتاج الى مرشّحين خارجين من قاموس “البيولوجيا”، بل الى مرشّحين قادرين على أن يلعبوا دورًا رائدًا في الإنقاذ المالي والإقتصادي والإجتماعي والدبلوماسي، تأسيسًا على ما يملكون من تجرّد وموضوعيّة وفهم وعلم وإدراك واستقلاليّة، بحيث يفاضلون بين الجيّد والممتاز، وبين السيّئ والأسوأ، وبين الضار والأقل ضررًا، وبين “العشيرة” والوطن، وبين السيادة والمصلحة الخاصة، ويمكنهم أن يستوعبوا البرامج المعقدة التي تُعرض عليهم، ويتفاعلوا مع المعادلات غير المبسّطة التي يطرحها أمامهم الخبراء والاختصاصيّون.

ومن البديهي، وإدراكًا لواحدة من أوجه الكارثة التي ألمّت بلبنان، أن يكون المرشّح الذي يختاره “حزب الله” ليس مناسبًا للبنان، لأنّ اختياره لم يأتِ إلّا على أساس تلك المعادلات التي أودت بالبلاد الى الجحيم.

إنّ مشكلة لبنان الأساسيّة تكمن في وضع “حزب الله” يده على القرار اللبناني ممّا ألحقه ب “محور الممانعة” الذي يجذب الكوارث، وفق ما تظهره الى التجربة اللبنانية التجارب السورية واليمنية والعراقية والإيرانية.

والمرشّح سليمان فرنجيّة، بغض النظر عن صفاته ومواصفاته، ليس الرجل المناسب لإخراج لبنان من مأزق “حزب الله”، فتزكيته أتت على أساس أنّه الأنسب لمشروع “حزب الله” الذي سبق أن لخّصه مرشد الجمهوريّة الإسلامية في إيران علي خامنئي بكلمات بسيطة: لبنان هو عمقنا الاستراتيجي.

وفي هذه النقطة، تكمن واحدة من أكثر مشاكل لبنان تعقيدًا، فلبنان المنتمي، بقوة القهر، الى “محور الممانعة” هو دولة “مارقة” يستغلّها صاحب المصالح ويبتعد عنها المتضرّر، يهاجر أبناؤها ويهرب منها المستثمرون، يراقبها الغريب ولا يناصرها القريب، يضحّي بها أصحاب المشاريع السلطويّة ولا يتردّد خصمهم في ضربها بشدّة.

وليس طبيعيًّا أبدًا، أن يأتي إعلان الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله ترشيح فرنجيّة المعروف سياسيًّا بأنّه “أحد عيني حزب الله” على الرغم من أنّه مرفوض علنًا من البيئة الطائفيّة التي ينتمي إليها والبيئة الإقليمية المطلوب التصالح معها، في وقت ترتفع فيه نسبة الإنتحار بين الشباب اللبناني وتتزاحم الإنهيارات، ويرفض القاصي والداني مدّ يد المساعدة للبنان، بسبب “حزب الله” من جهة وبسبب فساد المنظومة السياسيّة التي ينتمي إليها فرنجيّة وداعموه، من جهة ثانيّة.

وتكبر المفارقة، إذ إنّه في وقت وصلت فيه المصالحة التركيّةـ السعودية الى مستوى وضع الرياض وديعة بقيمة خمسة مليارات دولار أميركي في المصرف المركزي التركي، يرفع “حزب الله” مستوى المواجهة التي ترفع تلقائيًّا مستوى الكارثة.

إنّ لبنان، في هذه المرحلة، لا يحتاج الى شعارات بل إلى إنقاذ، والإنقاذ لا يمكن أن يكون على يد مرشّح “حزب الله” بل على يد شخصيّة قادرة على التعاطي مع “حزب الله” على أساس أنّه مشكلة ولا بدّ من حلّها، لمصلحة البلاد، بالتي هي أحسن!

وإشكاليّة المجتمع السياسي اللبناني لا تكمن في تحديد “المرشّح الطبيعي” بل في عدم التعاطي مع أبرز الناخبين على أساس أنّه هو …غير طبيعي!

نشر في “النهار العربي”

المقال السابق
قبيل إعلان نصرالله ترشيح فرنجيّة

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

"إسرائيل لديها قدرات أكثر دراماتيكية من تفجيرات الأجهزة اللاسلكية"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية