"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الإحساس بالذنب.. "أستاذ سلوكي" و"محتال" خطر في آن!

كريستين نمر
الخميس، 22 أغسطس 2024

الإحساس بالذنب.. "أستاذ سلوكي" و"محتال" خطر في آن!

جلد الذات أو الإحساس بالذنب هو شعور مزعج قد يصل إلى تسميم حياة الذين يتملّكهم.

وقد تتكوّن مشاعر شبيهة بهذا الإحساس في سنّ مبكر جدًا من عمر الإنسان (١٨ شهرًا)، حين يبدأ الطفل بالتعرّف على نفسه في المرآة، والتمييز بينه وبين الآخرين، ويدرك أفكارهم ورغباتهم المختلفة عنه، قبل أن يتطوّر هذا الوعي وينضج بدءًا من عامه الثامن.

وقد “يتربّص الإحساس بالذنب بنوعين من الأشخاص:

١ – الشخص المتعاطف: أي الذي يضع نفسه مكان الآخرين فيتعاطف معهم ويشعر بمعاناتهم.

٢ – الشخص المتسلّط: الذين يعتقد أنّ كل ما يحدث من حوله هو نتيجة سوء إدارة منه.

إلا أنّ المفارقة هي أنه على الرغم من الإزعاج الذي يسبّبه لحامله، يعتبر “الشعور بالذنب” من ضرورات الحياة الاجتماعية، فمن المفيد مثلًا أن يشعر الشخص الذي يسبب ألمًا أو ضررًا للآخرين بالذنب، لأن ذلك قد يشجعه على تقديم الاعتذار وإصلاح خطئه، ويدفعه إلى تفادي إعادة تكرار ذلك في المستقبل.

ويشبّه علماء النفس ” الشعور بالذنب” بـ”الشرطي الداخلي” الذي يعاقب على الأفعال السيئة، وعلى انتهاك القواعد التي وضعت لحماية الغير الأذى بالغير وعلى ضمان احترام القواعد في غياب “السلطة”، إلا أنّ التعامل معه يتطلّب نوعًا من التوازن بين فائدته وقوّته التدميرية حيث تكمن المسؤولية كما يقولون.

الشعور بالذنب بشكل دائم

لكن إلى جانب هذا الشعور “الصحّي” بالذنب، ثمّة “نسخة” مضرّة بالإنسان خاصة عندما يتطور أحيانًا بشكل مرضي فيغزو المرء بشكل كامل، إذ أنّ هناك فئة من الأشخاص تشعر بالذنب بشكل شبه دائم، رغم أنها لم ترتكب أي خطأ ولم تقم بأي عمل يستوجب لومًا للذات، وهذا ما يرويه جاد فيقول: “كنت البكر في عائلة تتألف من خمسة أطفال وكنت دائم التفوّق في دراستي على عكس إخوتي ما جعلني مفخرة أهلي، فكان الأمر كأنني أسرق من إخوتي حبّ والديّ الذي برأيي كان يجب أن يكون لهم، حتى وصلت لدرجة أنني لم أعد أشعر بسعادة التفوّق الدراسي”.

وسيلة للتلاعب بالآخرين

يعتمد البعض “الشعور بالذنب” من أجل التلاعب بالآخرين، إما من أجل استغلالهم أو من أجل إلقاء مسؤولية الفشل عليهم ورفعها عن الذات.

ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، نتوقف عند نموذجين:

الابن الذي يحمّل والدته مسؤولية فشله الدراسي، لأنها كانت متلهيّة عنه بعملها عندما كان صغيرًا، والمسنّة التي تسعى إلى فرض رأيها باللعب على وتر عاطفة أولادها فتقول لهم مثلًا ” أنا اليوم معكم إنما غدًا فلا، فاستفيدوا من وجودي ولا تسبّبوا لي الألم”…

من الملاحظ، أنّ ما هو مشترك في هذه العبارات هو تحميل الشخص الآخر مسؤولية حصول مصيبة حقيقية أو محتملة والتلاعب في مشاعره، فالمسؤولية بفشل الابن تقع بالدرجة الأولى عليه، فكل شخص مهما كان عمره هو مسؤول عن أفعاله وخياراته، وكذلك المسنّة فهي تسعى إلى جعل أبنائها يشعرون بعاقبة أي حادث مؤسف قد يحصل لها.

بشكل متناقض، الشعور بالذنب يريح النفس:

كثيرون يفضّلون جلد الذات على المواجهة علّهم ينعمون بالراحة والسكينة أمام مشكلة قد يجدون أنفسهم عاجزين عن حلّها كحال ذلك الوالد الذي كان يعتقد بأن له كامل السلطة على ابنه وعلى التحكّم بحياته وتعديل ما لا يعجبه في سلوكه، فيجد نفسه عاجزًا عن منعه عن التدخين لأنه هو نفسه مدخّنًا، فعلى الرغم من أنّ باقي أولاده لا يدخّنون إلا أنه يحمّل نفسه كامل المسؤولية، فمشاعر الذنب هذه تحميه من مواجهة واقع غير قادر على تغييره فيلجأ إلى جلد ذاته تحت شعار: “من الأفضل أن تكون مذنبًا من أن تكون عاجزًا”.

التحرّر من جلد الذات وعدم السماح للآخرين بالتلاعب بنا وتحميلنا مسؤولية أفعالهم يقول الأستاذ في علم النفس في جامعة فريبورغ في سويسرا إيف ألكساندر تالمان: “للتحرّر من “شعور الذنب المَرَضي” والذي ينتج عنه “جلد الذات” علينا أولًا التخلّي عن وهم السيطرة المطلقة، والتوقف ثانيًا عن إيهام النفس بأننا “سوبر مان”، والاعتراف ثالثًا بأنه لا يمكن التحكّم بالعالم الذي نعيش فيه حيث تأثيرنا على الرغم من أنه حقيقي إلا أنه قد يكون محدودًا جدًا، ورابعًا أن نجعل الآخرين يتحمّلون عواقب خياراتهم”.

أما لعدم السماح بالتلاعب بنا وتحميلنا مسؤولية ما حصل للآخرين يقول مارشال روزنبرغ مؤسس نهج “التواصل غير العنيف”، إنّ العبارات المصاغة بضمير المخاطب سواء كانت في صيغة المفرد أو الجمع، خاصة من قبل أشخاص نحبّهم، هي وسيلة قوية لإثارة الشعور بالذنب المرضي، ويضيف روزنبرغ: “لا تسمح لأحد أن يتوجّه إليك بصيغة المخاطب بل إذا كان لا بدّ من ذلك فدعه يخاطبك بصيغة المتكلّم، مثلًا بدل من أن يقول لك أنت تزعجني فليقل أنا منزعج، أو أنا حزين بدلاً من أنت تجعلني حزيناً، أو أنا خائف، بدلاً من أنت تخيفني، فهذه العبارات لبساطتها قد تبدو عادية وغير ضارة، لكنها تحمّل المتلّقي مسؤولية الحالة السيئة التي يعاني منها المتكلّم، وهي وقد تمهّد الطريق للشعور بالذنب.

وبالنهاية، “ليست المواقف هي التي تحدّد مشاعرنا، بل التفسيرات التي نقدمها لها”، كما يقول الفيلسوف إبيكتيتوس، لأن ما يزعجنا ليست الأشياء إنما الآراء التي لدينا عنها، وهذا ما أكدته فلسفة العصور الغابرة وعرّفه علم النفس الحديث بعد أن طوّره تحت اسم “نظرية التقييمات المعرفية”، التي تفسّر المشاعر التي نعيشها من خلال تقييمنا للمواقف التي تواجهنا.

المقال السابق
اتهام جيرار دو بارديو بالإغتصاب وإحالته الى المحاكمة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية