أسرار شبارو
طالت شظايا استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر، لبنان، مع تغيير شركات شحن عالمية مسار رحلاتها، وما استتبع ذلك من زيادة مسافة ومدة وكلفة الشحن، فتكدّست البضائع اللبنانية برسم التصدير في مرفأ بيروت، وعلت الصرخات المطالبة بتدخل رسمي سريع لحل العقبات التي تقف بوجه عمليات التصدير والاستيراد.
وقصر الحوثيون تهديدهم على السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها أو المتجهة إلى موانئها، بعد دخولهم على خط الصراع بين حماس وإسرائيل، إلا أنهم في الواقع ألحقوا الضرر بدول العالم، كون البحر الأحمر يشكل أحد الشرايين الرئيسية للتجارة العالمية.
ويعتمد لبنان في عمليات تصدير واستيراد السلع والبضائع والنفط والغاز، من وإلى دول الخليج العربي والآسيوية “على خطوط شحن بحرية عالمية تتخذ من مضيق باب المندب وقناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، ممراً لها”، كما يقول النائب الأول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية والرئيس السابق للغرفة الدولية للملاحة في بيروت، إيلي زخور.
واختيار شركات الشحن العالمية اعتماد طريق رأس رجاء الصالح، أي الالتفاف حول افريقيا للوصول إلى مقصدها النهائي، نتيجة الخطر الحوثي على السفن، يشكّل بحسب زخور كارثة على المصدرين، لاسيما على المزارعين اللبنانيين.
ويشرح زخور أن عبور خط الإبحار الجديد الذي فُرِض على شركات الملاحة “يستغرق أياماً بدلاً من ساعات، مما يعني زيادة بعدد أيام الرحلة وزيادة كميات استهلاك الوقود الاضافية والكلفة الإجمالية للرحلة، في حين فرضت شركات التأمين رسوماً على مخاطر الحرب بالنسبة للرحلات المستمرة بعبور البحر الأحمر”.
كما يقول إن “شركات الشحن لن تتحمل زيادة الكلفة، بل المصدّر والمستورد، والأخير سيحمّلها للمواطن الذي حكم عليه أن يكون الضحية الأولى لما يحصل في البحر الأحمر، لذلك من المتوقع أن نلمس ارتفاعاً قريباً في أسعار البضائع والسلع في السوق العالمي ومن ضمنه اللبناني”.
شلل عام
أول صرخات المتضررين اللبنانيين من استهداف الحوثيين للسفن، هم المزارعون، إذ “توقف التصدير الزراعي بشكل كامل منذ ما يزيد عن الثلاثة أسابيع، لعدم وصول سفن شركات الشحن البحري التي ينتظرونها إلى مرفأ بيروت، مما أدى إلى تكدّس مئات الأطنان من الخضراوات والفاكهة داخل حاويات موجودة في الساحات الجمركية وفي البرادات والمستودعات”، كما أكد رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي، في بيان.
وما يفاقم الأزمة التي تعصف بالمزارعين، أن حركة التصدير الزراعي محصورة حالياً على خط الشحن البحري في ظل وجود عقبات على طريق الشحن البري، تتمثل بمنع السعودية (التي تشكل نقطة عبور لشاحنات الفواكه والخضراوات اللبنانية إلى دول خليجية)، دخول هذه الشاحنات إلى أراضيها، بعد ضبط جماركها في عام 2021 أكثر من 5.3 مليون حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان.
وبعد الأحداث المستجدة، واضطرار السفن إلى اتخاذ خط رأس الرجاء الصالح، لم يعد هناك جدوى من تصدير المنتجات الزراعية عبر البحر، كما يقول ترشيشي، حيث “الكلفة مضاعفة ثلاث مرات، بمعنى أن بدل إيجار المستوعب أصبح يزيد عن 10,000 دولار”.
ورغم صرخات المزارعين، وتأكيد ترشيشي في البيان الذي أصدره قبل أيام، تواصله مع وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية ،الذي أبلغه أن “الجهود وخطوط التواصل مفتوحة مع كل الأشقاء العرب ولاسيما في سوريا والمملكة العربية السعودية”، آملا “التوصل الى حلحلة تعود بالنفع على كل قطاعات التصدير”، فإن رئيس مجلس الإدارة، مدير عام مرفأ بيروت، عمر عيتاني، يشدد على أنه “إلى حد الآن لا تأخير من قبل أي من الوكالات البحرية”.
ويضيف عيتاني “إن بقيت الأمور على حالها في البحر الأحمر من المحتمل أن نشهد تأخيراً في وصول البواخر التي كانت تتخذ من هذا الخط البحري طريقاً لها، وذلك لمدة تتراوح بين سبعة إلى عشرة أيام، أما البواخر القادمة من أوروبا إلى البحر المتوسط فلن تواجه أي مشكلة”.
ويصدّر لبنان سنوياً بحسب ترشيشي “ حوالي 400 ألف طن من المنتجات الزراعية والحمضيات والبطاطا والفواكه، لاسيما إلى الدول الخليجية، قطر والبحرين ومسقط والإمارات والكويت” مشدداً على أن “التصدير ضرورة حتمية للمزارعين، كون لا يمكن للبنانيين استهلاك الكمية التي ننتجها، عدا عن أنه يؤمن للمزارعين رأسمال يمكّنهم من الاستمرار في الإنتاج”.
وبلغت قيمة الصادرات اللبنانية الزراعية النباتية والحيوانية ومنتجات الصناعات الزراعية، وفقاً لإحصاءات إدارة الجمارك، 756 مليون دولار في العام 2022، و986 مليون دولار في العام 2021، في حين يصدّر لبنان شهرياً، بحسب زخور، نحو 7 آلاف مستوعب من الخضراوات والفاكهة.
قلق
ما يحصل يثير القلق، وإذا طالت مدته فإن تداعياته على سلسلة الإمداد العالمي قد تفوق تداعيات الحرب الأوكرانية”، كما يصف رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، هاني بحصلي، مضيفاً “بعض الشركات قررت اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح منذ بداية حرب غزة، ولهذا السبب كان يفترض أن تصلني شحنة بضائع في منتصف شهر ديسمبر إلا أنها ستتأخر شهراً”.
وترتكز واردات لبنان، بحسب بحصلي، على الصين “حيث نستورد منها بقيمة تفوق 2,5 مليار دولار، أي ما نسبته 14 في المئة من مجمل الاستيراد السنوي للمواد الغذائية، لاسيما الفطر والحبوب، في حين نستور اللحوم والشاي والأرز البسمتي من الهند، ومن ماليزيا الزيوت، ومن تايلاند وفيتنام الذرة والتونة، ومن سريلانكا الشاي”.
وبالنسبة لفترة الأعياد فقد وصلت الشحنات المخصصة لها إلى لبنان، إلا أن التجار بصدد التحضير بحسب بحصلي “لعيد الفصح، وشهر رمضان الذي يبدأ أوائل مارس، إذ يفترض وصول البضائع في أوائل فبراير إذا لم تغّير شركات الشحن مسارها، وبالتالي نخشى من استلامها بعد الفترة التي يترتّب أن تتواجد فيها”، لكن في ذات الوقت يشدد على أنه “في الوقت الحاضر المواد الغذائية متوفرة، أما مخاوفنا فتتمحور حول إمكانية مواجهة نقص في الامداد في المرحلة المقبلة، وليس من انقطاعه أو من مجاعة”.
وفي ما يتعلق بالصادرات اللبنانية فإنها تسلك طريق البحر الأحمر، لكن بحسب بحصلي “الكميات التي نصدّرها إلى الشرق الأقصى والصين ليست كبيرة، حيث يتركز تصديرنا على الدول الأوروبية والخليجية، وسيتأثر التصدير إلى بعض الوجهات الخليجية مثل دبي، في حين لا عقبات أمام التصدير إلى جدة”.
طريق الخلاص
ويعني استمرار السفن في الالتفاف حول القارة السمراء تراكم التداعيات السلبية على العالم ولبنان، اقتصادياً وانتاجياً وتجارياً، إذ سيواجه اللبنانيون صدمة اقتصادية جديدة، تتم ثل بحسب زخور “بتراجع سلاسل إمدادهم بالسلع والمواد الأساسية كالنفط والغاز والفيول والمواد الغذائية إضافة إلى ارتفاع أسعارها”.
ولحماية التجارة في البحر الأحمر وضمان حرية الملاحة لجميع الدول، أعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، عن إطلاق مبادرة أمنية متعددة الجنسيات، أطلق عليها “حامي الازدهار”، وذلك تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها.
ورداً على المبادرة، أكّد الحوثيون أنّهم لن يوقفوا عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر إلى حين السماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لسكان غزة.
وفي ظل ما يدور في البحر الأحمر، فإن خلاص القطاع الزراعي اللبناني مما يعانيه، يكمن بحسب ترشيشي “بالشحن البري”، لذلك ناشد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزراء المختصين “التدخل سريعاً والتوسط لدى المملكة العربية السعودية للسماح بمرور شاحنات الترانزيت عبر أراضيها.
الحرة