يقول “حزب الله” إنّه لا يريد المساس باتفاق الطائف، وجل ما يتطلّع إليه حوار يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية “لا يطعن المقاومة في الظهر”.
ما يقوله “حزب الله” ليس دقيقًا، بل هو ادّعاء يناقض الخلاصات، فبمجرّد أن يكون هناك إصرار على انتخاب رئيس للجمهوريّة بالحوار وليس بالإقتراع السرّي، لا يسقط اتفاق الطائف فحسب بل الدستور أيضًا.
فرئيس الجمهوريّة في النظام اللبناني، على الرغم من صلاحياته التنفيذيّة الضئيلة، يلعب أدوارًا سياديّة جوهريّة، وهو، في حال أتى مكبّلًا بشروط القوى الناخبة، بهتت قيمته وقدّم مصالح هذه القوى على المسلتزمات الدستوريّة التي يقسم اليمين على احترامها والدفاع عنها.
وما يطل به “حزب الله” من رئيس الجمهوريّة يتناقض والدستور، وليس أدلّ على ذلك أنّه لم يستطع أن يتحمّل رئيسًا مثل العماد ميشال سليمان، ليس لأنّه حمل البندقية في وجهه، أو حرّض عليه، بل لأنّه دعاه الى الكف عن إلحاق الضرر بالدولة اللبنانية ومواطنيها، من خلال لعب أدوار عسكريّة في الإقليم تكلّف بها المرتزقة ولا تليق بمقاومة.
ويريد “حزب الله” من الحوار أن يأتي برئيس مكبّل بتعهّدات غير دستوريّة، بحيث يضع خلفه القرارات الدولية التي تطالب بنزع سلاح هذا الحزب، ولا يتّخذ مواقف تزعجه، وهو ينفّذ المهام التي يكلّفه بها “الحرس الثوري الإيراني”، سواء على الحدود الجنوبية أو في أي دولة عربية، وأن لا يشكل حكومة لا ترضي “الثنائي الشيعي”، وأن يصم أذنيه عن المطالبات اللبنانيّة بوجوب حصر السلاح بيد القوات المسلّحة اللبنانيّة، بما يضمن العدالة بين سائر المكوّنات اللبنانيّة.
وهذا يعني أنّ “حزب الله” بإصراره على “انتخاب رئيس للجمهوريّة بالحوار” يضرب الدستور اللبناني وينقض عليه، ويكرّس أعرافًا من شأنها في وقت لاحق أن تفرض تعديلات دستوريّة مكتوبة بعد أن تكون قد فرضتها في الممارسة.
وإذا كانت هناك قوى لبنانيّة لا تزال تحاول الوقوف في وجه هذا المنحى، فإنّها، وفق ما بدأ يتسرّب، سوف تواجه ضغوطًا خارجية تقودها فرنسا، من أجل أن تتراجع عن رفضها.
وليس سرًّا أن البعض في الإقليم والعالم لا يبدون أيّ اهتمام بالدستور، إذ يتطلّعون إلى قطف نتائج تخدم مصالحهم الإستراتيجية، حتى لو حققت مشتهى “حزب الله”.
ولكن، بالمحصلة لن يتمكّن رافضو الحوار الرئاسي من الصمود طويلًا، لأنّ جبهتهم بدأت تتفسّخ مع انضمام طرفين أساسيّين الى قائمة داعمي الحوار: البطريركية المارونية و”التيار الوطني الحر”.
ومع بدء العد العكسي لولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بدأت قوى مارونية تلمس مخاطر الفراغ الرئاسي على حصصها الطائفية في النظام، ولذلك وجدت في الحراك الفرنسي الذي يقوده جان ايف لودريان حجة ملائمة للتراجع عن رفض انتخاب رئيس للجمهوريّة بالحوار.
ويحتاج الصمود في وجه الضغوط التي ستؤدّي بالنتيجة الى تعديلات دستوريّة حتميّة إلى تجاوز المخاوف على المكاسب الطائفيّة، والتركيز على أنّ التجارب الأليمة التي ألمّت بالبلاد كانت بسبب تقديم الهواجس الطائفية على الدفاع عن المرتكزات الوطنية.
وثمّة من يقترح مخرجًا عمليًّا، بحيث يسبق الحوار الرئاسي حوار تمهيدي غير مباشر يضع الضوابط اللازمة، بحيث يلتزم الجميع باحترام الدستور واتفاق الطائف، ويتم التوافق على أكثر من مرشّح يتعهدون، كشرط للدخول في المنافسة، بتقديم الدستور على “حزب الله” كلّما تعارض سلوك الحزب مع مبادئ “الكتاب”، وأن تلتزم الدولة الفرنسيّة بدعم الرئيس والسلطات الدستوريّة التي تتشكّل لاحقًا لتمكينها من الإلتزام بالدستور.