سيبقى شبح توسيع الحرب يحوم فوق رؤوس اللبنانيّين، إلى أن تترجم الاحتمالات المتنامية للحل الدبلوماسي بين لبنان( “حزب الله” فعلًا)، من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وقائع ميدانيّة ملموسة.
كل المعلومات المتوافرة من بيروت وتل أبيب في كل من واشنطن وباريس، تتقاطع عند التعبير عن تفاؤل كبير نسبيًّا بأن تتمكن الجهود الدبلوماسية الناشطة من احتواء الحرب المحتملة.
وقد تأكد، منذ يوم السبت الماضي، تاريخ بدء جولة قام بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين على كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، أنّ “التفاؤل” لم يعد وهمًا، إذ انتقل البحث من تأكيد كل من بيروت ( حارة حريك فعلًا) وتل أبيب الى “برمجة” مبادرة النقاط الخمس التي كشفنا عنها في مقال سابق.
النقاط الخمس باختصار هي: تخفيف إسرائيل لحشودها القتالية على الجبهة الشماليّة، تراجع “حزب الله” عن الحدود الجنوبية، تعزيز الوجود العسكري للجيش اللبناني واليونيفيل( عددًا وعديدًا) ومنعهما كل ظهور مسلّح غير نظامي من الناحية اللبنانية، تراجع إسرائيل عن خروقاتها للخط الأزرق، بداية وللحدود اللبنانية، لاحقًا.
ووفق مصادر فرنسية وأميركية تواكب الغرف المغلقة للمفاوضات المكوكية التي تحصل مع لبنان وإسرائيل، فإنّ البحث انتقل الى “برمجة” مبادرة النقاط الخمس، لوضعها، تباعًا، قيد التنفيذ.
وتقوم هذه البرمجة على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: يبعد “حزب الله” قواته المقاتلة مسافة تتراوح بين 7 و8 كيلومترًا عن الخط الأزرق الذي يبلغ طوله 120 كيلومترًا، في هذا الوقت تخفّض إسرائيل مستوى استنفارها العسكري الذي يُخشى من استعماله في هجوم مفاجئ.
المرحلة الثانية: تعزيز انتشار الجيش اللبناني واليونفيل، بما يتطلب ذلك من عديد وعتاد وقرارات أمميّة، على امتداد الحدود بين البلدين، وإعادة السكان الى شمال إسرائيل وجنوب لبنان، بعدما تمّ إجلاؤهم، بسبب اندلاع المواجهات العسكريّة.
المرحلة الثالثة: تسريع مفاوضات “تنظيف الخط ال أزرق” من الخروقات الإسرائيليّة التي يقول لبنان إنّها تشمل 13 نقطة، وتقديم حوافز إقتصادية للحكومة اللبنانيّة، من دون تحديد ماهيتها بعد، ولكنّها تتمحور كلها حول إنماء الجنوب اللبناني وإعادة إعمار ما تهدّم، وتسريع عمليات الحفر للعثور على الثروة النفطية التي يعتقد بأنّها متوافرة في المياه الإقليميّة.
ولكن ما الذي يعيق أن تحل المساعي الدبلوماسيّة نهائيًّا، مكان التصعيد العسكري والخطابي؟
وفق المصادر، هناك خلاف على الأولويّات، فلبنان، وعملًا بالتزامه بقرار “حزب الله”، يعتبر أنّ لا إمكانية لبدء تنفيذ أي تصوّر للحل على الجبهة اللبنانيّة، طالما أنّ الحرب لم تهدأ في غزة. ووفق مسؤول لبناني رفيع يتولّى التواصل بين المرجعيات الدبلوماسية و”حزب الله” فإنّ على الجميع أن يفهم وجهة النظر اللبنانيّة هذه، لأنّ هناك فئات واسعة في البلاد لا يمكنها أن تقبل بلبنان وهو يفاوض إسرائيل فيما هي تمعن في حربها ضد غزة. وهذا، وفق المسؤول نفسه يجب ألّا يُفضي لا الى تصعيد عسكري ولا إلى حرب، لأنّ اللبنانيين جميعهم متفقون على مبدأ الحل الدبلوماسي الذي سيأخذ كامل مساحته، فور توقف الحرب في غزة.
ولكنّ إسرائيل ليست في وارد قبول “الطر ح الزمني اللبناني” لأنّ الحرب على غزةّ، وفق الأجندة التي وضعتها، لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها المعلنة، أي استعادة جميع الرهائن، طرد “حركة حماس” وتفكيكها عسكريًّا، والتأكّد من زوال مخاطر تكرار هجوم مماثل لذاك الذي شنّته “حركة حماس” والتنظيمات الفلسطينية على غلاف غزة في السابع من تشرين الأوّل( أكتوبر) الماضي. ووفق الوسطاء الفرنسيين والأميركيين فإنّ مخاطر أن تحل الحرب مكان الدبلوماسيّة تنبع من الخلافات حول “التوقيت”، ولهذا فإنّ إسرائيل تصعّد ميدانيًّا وخطابيًّا وكذلك “حزب الله” الذي بدأ باستعراض “ثروته الصاروخية”.
في هذه الحالة، أين تكمن احتمالات الحل؟
تعمل الدبلوماسيتان الفرنسية والأميركية على إيجاد مفهوم جديد ل”التوقيت”، بحيث تقبل إسرائيل أن “تصبر” إلى حين انتقالها من الحرب المفتوحة الى العمليات العسكرية في غزة، في مقابل أن يقبل لبنان اعتبار العمليات العسكريّة في غزة ليست حربًا، الأمر الذي يعطي “حزب الله” مبررًا لفصل مسار جبهته عن الجبهة الفلسطينية. ولم يتبلور بعد أي تصوّر حول هذه النقطة، فالمساعي الناشطة حاليّا تتمحور حولها.
هل يخرج الدخان الأبيض قريبًا؟
هذا ما تأمله الدبلوماسيّتان الفرنسية والأميركية إنطلاقًا من اعتقاد راسخ لديها بأنّ إرادة توسيع الحرب، على الرغم من كل الخطابات العالية، غير متوافرة لا لدى “حزب الله” ولا لدى إسرائيل.