من سهل بعلبك الى مرتفعات الجولان وما بينهما من مناطق حدودية جنوبية وحتى في إقليم التفاح شمال #الليطاني، رسم الخط الدائري للتصعيد الحربي الواسع الذي طبع يوم المواجهات امس اطارا هو الأخطر اطلاقا لهذه المواجهات منذ اندلاعها في الثامن من تشرين الأول الماضي. وإذ يمكن توصيف يوم البارحة بانه يوم التصعيد النوعي الاستراتيجي في تبادل الضربات الاستراتيجية بين “حزب الله” وإسرائيل، فان ذلك دفع المواجهات النوعية هذه، الى اعتبار يوم البارحة بانه اليوم الأقرب الى حرب واسعة من أي وقت مضى. ومع ذلك فان جسامة المواجهات واتساع دائرتها إلى الأعماق لا يعني بالضرورة ان الاقتراب من الخطوط الحمر بل وتجاوزها مرات، ان الحرب الشاملة ستندلع. فخطر الحرب لا شك يكبر، في نظر ومعطيات الكثير من الأوساط والخبراء المعنيين، ولكن الفرامل الدولية ولا سيما منها الأميركية والإقليمية وخلاصات ودروس حرب غزة ومواجهات الجنوب بمجملها، حتى الان، لا تزال كافية لمنع الجزم بان الحرب واقعة لا محال. وليس أدل على ذلك من ان وتيرة العنف في المواجهات الميدانية بين إسرائيل و”حزب الله” تصاعدت بقوة واتساع مرات متكررة وطاولت نيرانها أعماقا في إسرائيل كما في لبنان. ولكن الخط البياني للمواجهات عاد الى نمطية لا توحي بعد بان التفلت واشتعال الحرب التي يخشى منها هو امر وارد بسهولة على رغم العنف التصاعدي في المواجهات.
في أي حال اتخذت المواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل بعدا شديد الخطورة امس ينذر للمرة الأولي بهذه الحدة بتدحرج “حرب الإسناد” الى ما هو أوسع. وقد كان اخطر التطورات انقضاض المقاتلات الإسرائيلية في غارة على موقع لـ”حزب الله” في عمق منطقة بعلبك وهي المرة الأولى التي يصار فيها الى تنفيذ ضربات بهذا العمق، ليس فقط منذ بدء المواجهات الحالية في 8 تشرين الأول الماضي بل منذ حرب تموز 2006.
إلا أنه من الواضح أن الاعتداء الجديد، وإن كان ارتقاء مدروساً، يندرج ضمن السقوف المتحرّكة للمعركة على طرفَي الجبهة، ولا يؤشر حتى الآن إلى خروجه عن سيطرة أيّ من الطرفين. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، بالقول إن كلاً من الطرفين يضرب على يد الآخر عندما يرى أنه تجاوز المربّع الذي تدور ضمنه المعركة، في إشارة إلى حرص الطرفين على تجنّب التدحرج نحو حرب شاملة مدمّرة. وقدّم مثالاً عملياً على ذلك باستهداف حزب الله الجولان، أمس، بعشرات الصواريخ كونها تقع «خارج اللعبة». لكنه عاد وأكد أن المبادرة في كل هذا المسار بدأت من قبل حزب الله. وشدّد عميدرور على أنه «سيكون من الغباء البدء بحرب في لبنان لأن الأمر يتعلق بمصير الدولة (…) قبل أن تتخذ قراراً عليك أن تتأكد بأن الطرف الثاني يدرك المخاطر التي ينخرط فيها. (ولذلك) أحياناً تهدّد ولا تنفّذ». ودعا إلى عدم التوقف عند ذرائع من نوع «أننا قلنا كذا وحزب الله قال كذا… هذا ببساطة أمر غير عميق»، لافتاً إلى أن أيّ حرب ستنشب «ستكون فظيعة».