أخطأ النائب اللبناني مروان حماده حين نقل عن مصادر دبلوماسية تحذيراتها بأنّ الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، قد تقع بعد أيّام قليلة “وربما بعد ساعات”. أخطأ لأنّ الحرب وقعت، فعلًا، قبل ذلك بكثير، ولكنّ اللبنانيّين، حالتهم مثل حالة تلك الضفادع التي وضعت على نار خافتة في طنجرة من الماء البارد، فتأقلمت مع ارتفاع الحرارة إلى أن وجدت نفسها تموت بعدما وصلت الى مستوى الغليان.
وبالفعل، ماذا يمكن أن يطلق المرء على ما يحصل على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية غير اسم حرب: مئات القتلى والجرحى، عشرات آلاف النازحين، مئات المنازل المدمّرة، آلاف الأميال من الأحراج المحترقة، صواريخ ومسيّرات وطائرات واغتيالات وبروبغندا ومفاوضات ووساطات؟
مستوى واحد لا تزال الحرب المندلعة بين “حزب الله” وإسرائيل دون عتبته، وهو استهداف المدنيين ومنشآتهم الحيوية. وهذا ما يخشى كثيرون، وبينهم هؤلاء الذين يحذرون بصوت عال، من أن يسقط قريبًا جدًا، إن لم تنفع الاتصالات الحامية، في التوصل الى تفاهم لخفض التصعيد. إسرائيل قالتها بالفم الملآن، وعلى لسان جيشها، متحججة باحتراق منازل وسقوط جريح في مستوطنة كتسرين في الجولان، بأنّ “حزب الله” يستهدف المدنيين عمدًا، وهي سوف تتعاطى معه على هذا الأساس، في أوّل إشارة الى أنّ مبدأ تحييد المدنيين يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهذا الكلام لم يبق مجرد تهويل، إذ تزامن مع تصعيد غير مسبوق في قوة الغارات الوهمية التي يعرفها الجميع باسم خرق جدار الصوت. غارات وهمية تشمل تلك المناطق التي لم يتم إدخالها في الحرب بعد، وهي تتركز على الضاحية الجنوبية لبيروت.
في الواقع، وكما تلفت أوساط دبلوماسية أوروبية عاملة في كواليس مجلس الأمن على ترتيب “توافق” على قرار يقضي بتمديد سنة جديدة لولاية اليونيفيل (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان)، فإنّ الوضعية القانونية للبنان وإسرائيل عادت الى ما كانت عليه بين 12 تموز (يوليو) 2006 وتاريخ صدور القرار 1701 في 11 آب(أغسطس) من العام نفسه، أي الى مرحلة ما يسمّى بالعمليات العدائية.
وتفيد هذه الأوساط بأنّ صفة الحرب التي تطلقها الدبلوماسية الفرنسية على “الأعمال العدائية” بين “حزب الله” وإسرائيل، تستند الى هذا الواقع الذي لا يمكن لأيّ كان أن يضمن بأن يبقى بعيدًا عن المستوى التدميري الكبير.
وبالفعل، يخشى أكثر من طرف من تدهور الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، في المقبل من الأيّام، بعدما وصلت الأمور الى مستوى الغليان القاتل!
قبل آخر آب (أغسطس) الجاري، سوف تتم مراجعة دولية شفافة لدور اليونفيل في تطبيق القرار 1701. إسرائيل تضغط من أجل إدخال تعديلات مهمة على مهمتها، وحجتها أنّه في ظل ولايتها المعززة منذ العام 2006، تمكن “حزب الله” من تعزيز ترسانته العسكرية و”النفقية” في جنوب نهر الليطاني، أي في منطقة عمليات خصصها القرار 1701 حصريًّا للجيش اللبناني واليونيفيل. وفي رأي إسرائيل، فإنّ الوضع على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية لم يكن قد وصل الى الوضع الذي وصل إليه، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر)، تاريخ انضمام “حزب الله” على حرب “طوفان الأقصى”، لولا خلل نوعي في المهمات المعهودة الى اليونيفيل.
وتهدد إسرائيل بأنّه في حال لم يتم إدخال تعديلات جوهرية على مهمة اليونيفيل، فهذا يعطيها الشرعية لتزخيم أعمالها العدائية ضد لبنان، حتى تغيّر بالقوة ما يعجز عنه المجتمع الدولي بالدبلوماسية.
وتقول إسرائيل إنّ ما بعد الأوّل من أيلول (سبتمبر) لن يكون كما قبله على الإطلاق، ليس لأنّ سكان شمال إسرائيل، سوف يضطرون الى قضاء سنة جديدة في المناطق التي جرى إجلاؤهم إليها، فحسب، بل لأنّ طبيعة المواجهات العسكرية بدأت تنحرف نحو استهداف المدنيين، وفق ما حصل سابقًا في مجدل شمس وحصل لاحقًا في كتسرين، أيضًا.
وفي دراسة تحليلية، تتوقع إسرائيل أن يرتفع منسوب استهداف المدنيين، لأنّ “حزب الله”، بعدما عجز عن فرض أي معادلة عسكرية من شأنها أن تحمي قياديّيه وعسكريّيه من الاستهداف الممنهج واليومي، يعمل على خلق معادلة جديدة يستحيل أن تقبل بها إسرائيل، وهي تعريض حياة المدنيين وممتلكاتهم للخطر الشديد مقابل كل استهداف لمقاتليه.
ووفق الأوساط الدبلوماسية، فإنّ إسرائيل تعطي المجتمع الدولي الذي يمثله مجلس الأمن مهلة من أجل تغيير الواقع على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، حتى تاريخ إصدار القرار الخاص بتمديد ولاية اليونيفيل المتوقع قبل نهاية هذا الشهر، فإمّا يفرض على لبنان تدابير من شأنها أن تبعد فعليًّا “حزب الله” إلى ما وراء الضفة الشمالية لنهر الليطاني مما يعين الحكومة الإسرائيلية على بدء إعادة السكان الى البلدات التي جرى إخلاؤهم منها أو تبدأ هي بتنفيذ الخطة التي وضعتها لفرض هذا الواقع!
ومن الواضح، أنّ لبنان الرسمي الذي يتحرك في كواليس نيويورك، بتنسيق مع “حزب الله” يرفض أي تعديل على مهمة اليونيفيل، ويريد أن يترك موضوع تنفيذ القرار 1701 الى مفاوضات غير مباشرة بينه وبين إسرائيل، من خلال الوسيط الأميركي، وذلك بعد وقف إطلاق النار في غزة.
إسرائيل، وفق ما تظهره حركتها في أروقة مجلس الأمن، ترفض تكريس “وحدة الجبهات” وتضغط للفصل بينها، تحت طائلة توسيع الحرب على لبنان.
مشكلة إسرائيل في ما تسعى إليه أنّ “حزب الله”، حتى تاريخه، لا يصدّق تهديداتها على الإطلاق، ويعتبرها مجرد تهويل.
المخاوف الدبلوماسية تكمن في أن تقدم إسرائيل، في الأيام القليلة المقبلة المتبقية من شهر آب (أغسطس) الجاري، إلى القيام بما من شأنه أن يثبت ل”حزب الله” بأنّها “لا تبلف” وأوراقها قوية جدًا!
نشر في “النهار العربي”