الحرائق ..رمز المواجهة بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله

أ.ب- مع تعثر محادثات وقف إطلاق النار في غزة وعدم وجود مخرج واضح للصراع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، أدى تبادل الضربات اليومي بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله إلى إشعال حرائق تلتهم الغابات والأراضي الزراعية على جانبي خط المواجهة.

وقد أتت الحرائق - التي تفاقمت بسبب نقص الإمدادات والمخاوف الأمنية - على آلاف الهكتارات من الأراضي في كل من شمال إسرائيل وجنوب لبنان، لتصبح واحدة من العلامات الأكثر وضوحا للصراع المتصاعد.

هناك احتمال متزايد لحرب شاملة - وهي الحرب التي من المرجح أن يكون لها عواقب كارثية على الناس على جانبي الحدود. ويخشى البعض أن تتسبب الحرائق التي أشعلتها صراعات أكبر في أضرار لا رجعة فيها للأرض.

ندوب الحروق في إسرائيل

كانت منحدرات جبل ميرون، ثاني أعلى جبل في إسرائيل وموطن لقاعدة جوية، مغطاة منذ فترة طويلة بأشجار البلوط المحلية، وبستان كثيف يوفر المأوى للخنازير البرية والغزلان وأنواع نادرة من الزهور والحيوانات.

والآن، انقطعت المنحدرات الخضراء بسبب ثلاث ندوب جديدة من الحرائق - أكبرها بضع مئات من الأمتار المربعة - وهي بقايا طائرة بدون طيار متفجرة تابعة لحزب الله تم إسقاطها قبل بضعة أسابيع. ويخشى حراس الحديقة أن يكون الدمار قد بدأ للتو.

وقال شاي كورين، من المنطقة الشمالية لهيئة الطبيعة والمتنزهات في إسرائيل: “الأضرار هذا العام أسوأ بعشر مرات من العام الماضي”. وقال كورين وهو يتطلع إلى منحدرات ميرون إنه لا يتوقع أن تنجو هذه الغابة من الصيف: “يمكنك التقاط صورة قبل وبعد”.

وقال شاي كورين، من المنطقة الشمالية لهيئة الطبيعة والمتنزهات في إسرائيل: “الأضرار هذا العام أسوأ بعشر مرات من العام الماضي”. وقال كورين وهو يتطلع إلى منحدرات ميرون إنه لا يتوقع أن تنجو هذه الغابة من الصيف: “يمكنك التقاط صورة قبل وبعد”.

وفي إسرائيل، أثارت صور الحرائق التي أشعلتها صواريخ حزب الله غضبا شعبيا ودفعت وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير إلى الإعلان الشهر الماضي أن “الوقت قد حان ليحترق لبنان بأكمله”.

وكان الكثير منها يحترق بالفعل.

بدأت الحرائق في لبنان في أواخر نيسان - قبل موسم الحرائق المعتاد - وانتشرت في المناطق الريفية إلى حد كبير على طول الحدود.

إن بلدة شبعا السنية الواقعة في الجبال على الحافة الجنوبية الشرقية للبنان لا يوجد بها أي وجود لحزب الله، كما أن البلدة لم تتعرض للاستهداف بشكل متكرر كما حدث مع القرى الحدودية الأخرى. ولكن أصوات القصف ما زالت تدوي بانتظام، وفي الجبال التي تعلوها، أصبحت التلال التي كانت محاطة بأشجار البلوط محترقة وعارية.

في بستان كرز على مشارف البلدة، تتدلى كتل من الفاكهة بين أوراق الشجر البنية بعد أن اندلع حريق أشعلته غارة إسرائيلية. ونجح رجال الإطفاء والرجال المحليون ــ بعضهم استخدم قمصانهم لإطفاء النيران ــ في منع وصول الحريق إلى المنازل ومركز لحفظ السلام تابع للأمم المتحدة في مكان قريب.

وقال موسى صعب، الذي تملك عائلته البستان: “سوف يعود العشب في العام المقبل، لكن الأشجار ذهبت. سيتعين علينا الحصول على الشتلات وزراعتها، وسوف نحتاج إلى خمس أو سبع سنوات قبل أن نتمكن من البدء في الحصاد”.

ويرفض صعب مغادرة لبنان مع زوجته وابنته البالغة من العمر ثماني سنوات. فهم لا يستطيعون تحمل تكاليف العيش في مكان آخر، ويخشون عدم قدرتهم على العودة، كما حدث لوالديه عندما غادرا منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها ـ التي احتلتها إسرائيل من سوريا في عام 1967 وأعلنت لبنان ملكيتها لها.

ومنذ أيار الماضي، أدت غارات حزب الله إلى حرق 8700 هكتار (حوالي 21500 فدان) في شمال إسرائيل، وفقا لهيئة الطبيعة والمتنزهات.

وقال إيلي مور، من خدمات الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية، إن الطائرات بدون طيار، التي هي أكثر دقة بكثير من الصواريخ، “غالبًا ما تأتي واحدة تلو الأخرى، الأولى مزودة بكاميرا والثانية تطلق النار”.

وأضاف مور أن “كل إطلاق يشكل تهديدا حقيقيا”.

وفي جنوب لبنان، احترق نحو 4 آلاف هكتار (10 آلاف فدان) بسبب الغارات الإسرائيلية، بحسب جورج متري، من برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند. وأضاف أن المساحة الإجمالية المحروقة سنويا في لبنان خلال العامين السابقين كانت تتراوح بين 500 و600 هكتار (1200 و1500 فدان).

الاستجابة للحريق

تعوق المخاوف الأمنية الاستجابة للساعات الأولى الحاسمة من اندلاع الحرائق. وتظل طائرات مكافحة الحرائق متوقفة إلى حد كبير بسبب مخاوف من إسقاطها. وعلى الأرض، لا يستطيع رجال الإطفاء في كثير من الأحيان التحرك بدون حراسة من الجيش.

وقال محمد سعادة رئيس مركز الدفاع المدني في شبعا بلبنان “إذا خسرنا نصف ساعة أو ساعة، فقد يستغرق الأمر يومًا أو يومين إضافيين للسيطرة على الحريق”. واستجاب المركز لـ 27 حريقًا في ثلاثة أسابيع الشهر الماضي - وهو ما يقرب من العدد في عام عادي.

وعلى الجانب الآخر من الحدود، كان موران أرينوفسكي يعمل طاهياً، وهو الآن نائب قائد فرقة الطوارئ في كيبوتس مانارا. وقد حارب مع نحو عشرة آخرين أكثر من عشرين حريقاً خلال الشهرين الماضيين.

وقال مور، من خدمات الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية، إن رجال الإطفاء يضطرون في كثير من الأحيان إلى فرز الحالات.

وقال مور “في بعض الأحيان يتعين علينا التخلي عن المناطق المفتوحة التي لا تشكل خطرا على الناس أو المدن”.

إن المناطق الحدودية أصبحت خالية من السكان إلى حد كبير. فقد أخلت الحكومة الإسرائيلية شريطاً يبلغ طوله أربعة كيلومترات في وقت مبكر من الحرب، ولم يبق فيها سوى الجنود وأفراد الطوارئ. وفي لبنان، لم تصدر أوامر رسمية بالإخلاء، ولكن مساحات شاسعة من المنطقة أصبحت غير صالحة للسكن تقريباً.

وقد نزح نحو 95 ألف شخص في لبنان و60 ألف شخص في إسرائيل خلال الأشهر التسعة الماضية.

ولم يتم إخلاء كيبوتس سدي نحميا، وقالت إفرات إلدان شيختر إنها في بعض الأيام تشاهد عاجزة عن الحركة أعمدة الدخان تقترب من منزلها.

وقالت “هناك تأثير نفسي، والمعرفة والشعور بأننا وحدنا”، لأن رجال الإطفاء لا يستطيعون الوصول إلى مناطق معينة.

في كثير من الأحيان، يتجمع رعاة البقر الإسرائيليون، الذين يرعون الماشية في مرتفعات الجولان، معًا لمكافحة الحرائق عندما لا يتمكن رجال الإطفاء من الوصول بسرعة.

وأشارت شيختر إلى أن لقطات الأخبار التي تظهر ألسنة اللهب وهي تشتعل عبر التلال ركزت على الصراع الدائر في حديقتها الخلفية، بدلاً من التركيز فقط على حرب غزة. وقالت: “فقط عندما بدأت الحرائق، أصبحنا في عناوين الأخبار في إسرائيل”.

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل سترسل المزيد من القوات إلى حدودها الشمالية مع تراجع حدة القتال في غزة من أجل استعادة الأمن هناك. وهذا من شأنه أن يفتح جبهة جديدة ويزيد من خطر اندلاع المزيد من الحرائق المدمرة.

قالت دائرة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية، الخميس، إنها تتعامل مع حرائق في 10 مناطق منفصلة ناجمة عن وابل من الصواريخ أطلقها حزب الله ردا على غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل أحد كبار قادته في اليوم السابق.

ويقول كورين إن حرائق الغابات الطبيعية تشكل جزءًا طبيعيًا من دورة حياة الغابات ويمكن أن تعزز التنوع البيئي، ولكن ليس الحرائق الناجمة عن الصراع: “في اللحظة التي تحدث فيها الحرائق مرارًا وتكرارًا، فإن هذا هو ما يخلق الضرر”.