أنهت بنود البيان الذي أصدره اجتماع “مجموعة الخمسة” في الدوحة، تكتيكات “شراء الوقت” التي سبق أن اعتمدها اللبنانيون بدعم من المجتمع الدولي، من أجل التعايش مع مشاكلهم الجوهريّة التي ظهرت، بوضوح، منذ سيطر “حزب الله” على الميدان، نتيجة “غزوته” العسكريّة في السابع من أيّار/ مايو 2008.
كانت المبادرة الرئاسيّة الفرنسيّة التي انضمّت الى “الثنائي الشيعي” في ترشيح سليمان فرنجيّة الى رئاسة الجمهورية، تندرج في سياق “شراء الوقت” مثلها مثل التفاهمات التي أدّت في خريف العام 2016 إلى إعادة تسليم قصر بعبدا الى العماد ميشال عون، مرشّح “حزب الله” الوحيد في تلك المرحلة.
في الدوحة أسقطت “الخماسية” التي تضم الى فرنسا كلًّا من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، “شراء الوقت”، ووضعت معايير رئاسيّة وإجرائية واقتصاديّة وسياديّة، من شأن التقيّد بها وضع لبنان على سكّة الحل النهائي.
ولكن ثمّة من يعتقد بأنّ تكبير الأهداف يفضح نيات مبيّته ترمي إلى عدم تحقيقها، ممّا يعني، وفق هؤلاء، أنّ “الخماسيّة” أجهضت “العقلانيّة” الفرنسيّة من دون أن توفّر أدوات صالحة للوصول الى التطلّعات المعبّر عنها في بيان الدوحة، خصوصً ا لجهة تمكين الداخل اللبناني من تخطي المعوقات التي يضعها “الثنائي الشيعي” المتكّئ على قوة سياسيّة كافية مدعومة بقوة عنفية راجحة!
إلّا أنّه ردًّا على هذا الإستنتاج السلبي لمفاعيل بيان “خماسيّة الدوحة” هناك من يُراهن على تفعيل العقوبات من أجل “تدجين” المشاغبين على “خارطة الطريق” العربيّة والدوليّة، إذ باتت هناك ثلاث مرجعيات مستعدة لفرض عقوبات موجعة على معرقلي إنقاذ لبنان، وهي: الولايات المتحدة الأميركية، الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.
وفي اعتقاد المراهنين على “العصا” أنّ تنسيق العقوبات بين هذه المرجعيات الثلاث سوف يدفع ب”المشاغبين” إلى القبول بحلول “وسطيّة”، لأنّ “الربح الفائت” في السياسة لن يوازي “الخسائر الفادحة” في العقوبات.
ولكن من أين يمكن أن تبدأ حزمة العقوبات؟
وفق مصدر دبلوماسي أوروبي يتابع المسألة اللبنانيّة عن كثب هناك نقطة تلاق بين المرجعيات العربية والأوروبية والدولية لا بدّ من استثمارها، ليس بصفتها هدفًا قائمًا بذاته بل باعتبارها رأس جبل الجليد.
وهذه النقطة، وفق التقارير التي باتت موضوعة على مكاتب أصحاب القرار المعنيّين بلبنان، هي: التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت.
وفي اعتقاد هذا المصدر أنّ القوى التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وفق الآليات الديموقراطية المنصوص عنها في الدستور اللبناني، هي نفسها التي حالت وتحول دون تمكين التحقيق في ملف انفجار الرابع من آب/ اغسطس 2020، من الوصول الى غاياته، إذ إنّ غالبيّة المشتبه بهم الذين حمتهم مرجعياتهم السياسية تنتمي إلى هذه القوى.
وينظر صانعو القرار في مروحة إجراءات تتصل بهؤلاء المشتبه بهم، ومنها على سبيل المثال: إنشاء محكمة أوروبية خاصة بموضوع انفجار المرفأ تقيم تنسيقًا لصيقًا مع المحقق العدلي اللبناني المجمّدة أعماله طارق البيطار، خصوصًا وأنّ هناك عشرين ضحية من ضحايا هذا الإنفجار يحملون جنسيات أوروبيّة، وإصدار مذكرات توقيف دوليّة بحق من سبق أن ادّعى المحقق البيطار عليهم.
وهذه النوعية من الإجراءت من شأنها أن توصل رسالة مواجهة قويّة الى معرقلي العملية السياسية في لبنان، من جهة ورسالة تضامن إستثنائية مع الشعب اللبناني، من جهة أخرى.
ومن شأن هذا الإجراء، وفق الدبلوماسي الأوروبي، أن يصحّح المسار الذي خطه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما أسقط من مبادرته، بوهم جذب “الثنائي الشيعي”، المطلب اللبناني العارم الذي كان ولا يزال يدعو الى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في موضوع انفجار مرفأ بيروت.
وإ ذ يعرب هذا الدبلوماسي عن اعتقاده بأنّ هذا الإجراء كفيل بدفع القوى المعرقلة لانتخاب ديموقراطي لرئيس الجمهورية الى نقطة وسطية، يشير إلى أنّ “المعاندة” يمكنها أن تفتح مسارات أخرى موضوعة هي الأخرى ضمن لائحة الخيارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إدراج “حزب الله”، بجناحه السياسي، في لائحة الإرهاب الأوروبية بحيث يلتقي بذلك الإتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في العالم.
ولكن هل سيجد هذا التصوّر ترجمة فعليّة؟
كل المعطيات المتوافرة حتى تاريخه تظهر أنّ الإجراءات الهادفة الى تفعيل بند العقوبات مرجأة الى ما بعد الزيارة الثانية المقرر أن يقوم بها جان إيف لودريان الى بيروت.
الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي الذي شارك في اجتماع “الخماسية” في الدوحة والتقى، على حدة، كبار المسؤولين في دولها، سوف يحمل إلى القوى السياسية اللبنانية تصوّرًا للحل مبنيًّا على مبادئ بيان الدوحة، فإذا وُفّق في حصد موافقة هذه القوى فإنّ الحاجة الى العقوبات تسقط ولكن إذا لم يوفّق، وهذا مرجّح، فحينها لكل حادث…عقوبة!