"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الهدهدة

رئيس التحرير: فارس خشّان
الخميس، 20 يونيو 2024

ليس غريبًا أن يكون “حزب الله” مطلعًا على المناطق والنقاط الإستراتيجية في إسرائيل، فهو، لا يمكن أن يخوض حربًا معها “على العمياني”.

ومن البديهي أن يكون هذا الحزب المدعوم بكل ما يتوافر من تقنيات عسكرية لدى “الحرس الثوري الإيراني” قادرًا على تصوير شمال إسرائيل، مثله مثل شركة “غوغل إيرث” التي تمكّن أيّ شخص، مهما كان بسيطًا، أن يجول افتراضيًّا، في أيّ شارع يرغب به في أيّ بلد في العالم.

ولم تزعم إسرائيل يومًا أنّ الحرب مع “حزب الله” نزهة، فهي تعرف أنه يملك قدرات هائلة، ويمكنه أن يلحق بها أذى كبيرًا، وأقل ما قيل فيه إنّه أقوى من “حركة حماس” بعشرة أضعاف.

ولم تتفاجأ إسرائيل بامتلاك “حزب الله” مسيّرات انقضاضية وتصويرية، فقد سبق لها أن عقدت مؤتمرات وصلت الى قاعة الأمم المتحدة لتكشف عن مطارات خاصة بهذه الطائرات في عمق لبنان.

وحده لبنان الرسمي تفاجأ، لأنّ “حزب الله” كان يمنع عليه التحقيق في مزاعم إسرائيل ويدفعه دفعًا الى المنابر لينفي ذلك نفيًا قاطعًا!

وعليه، فإنّ محاولة التعاطي مع إنتاجات “الهدهد” التصويرية كما لو كانت مسألة خارقة فيها الكثير من السذاجة عند البعض والتضخيم الدعائي عند البعض الآخر!

بطبيعة الحال، لا ينتمي الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله الذي زامن إطلالته “الشاشتيّة” مع بث “الجزء الأول” من “فيلم الهدهد” الى فئة الساذجين، إذ إنّه استاذ كبير في مدرسة دعائية تُعني بصناعة “صورة النصر”، إذ يتجاوز الرماد الذي يلحق بمقاتليه وناسه وممتلكاتهم وثرواتهم وأعمالهم ووطنهم ومستقبلهم ليسلط الضوء على عظمة الغبار المتطاير لدى الأعداء، ولذلك فهو، على سبيل المثال، يركز على الهاربين الى فنادق إسرائيل من شمالها من دون أن يعير أي اعتبار للظروف المهينة التي يعيش فيها معظم نازحي الجنوب، ويسهب بالحديث عن الأضرار في مناطق العدو، من دون أن يعطي أيّ قيمة للدمار اللاحق بقرى الجنوب وبلداته وأراضيه وأحراجه، ويأخذ من الإعلام العبري ما يلائمه من عبارات ويرفعها شعارات مدوية على منابره مهملًا أضعافها المضاعفة التي تنال منه، وجلّها تعتبره إرهابيًّا ومجرد بيدق إيراني.

إذن، لا يفكر نصرالله بما يتسبب به هو وحزبه من خسائر. كل تركيزه على صناعة صورة النصر.

ووفق هذا النهج، كان تصويبه على قبرص، موجهًا إليها التهديد، بسبب صلاتها مع إسرائيل.

بهذا التهديد، أظهر نصرالله نفسه قويًّا للغاية.

هذه القوة لم تأخذ في الإعتبار لا تاريخ قبرص ولا موقعها الجيو- سياسي ولا مصالح لبنان العليا.

قبرص ليست جزيرة معزولة، ولا أقامت علاقة مستجدة بإسرائيل، وليست نقطة نافلة بالنسبة للبنانيين.

قبرص، في الواقع، وهذا معروف منذ سنوات، أرض تتدرب فيها الوحدات الإسرائيلية، في إطار التحضيرات الدائمة لمواجهات محتملة مع “حزب الله”.

كان نصرالله يعرف ذلك، وبقي صامتًا.

وقبرص هي واحدة من دول الإتحاد الأوروبي، والتعرض لها يحرك الغرب كلّه، وتهديدها هو تهديد لتكتل ضخم من الدول.

وليس مستغربًا أن يؤدي تهديد قبرص الى إعادة فتح ملف إدارج “حزب الله” بجناحيه في لوائح الإرهاب الأوروبية، ويسقط التحفظات السابقة.

وفي حال تفاعل اللبنانيون إيجابًا مع تهديدات نصرالله لقبرص، قد يجدون أنفسهم، في لحظة واحدة، غير قادرين على الحصول على سمات الدخول الى دول الشينغن التي يلاحظ كثيرون أنها أصبحت أكثر تعقيدُا من ذي قبل.

وعليه، لم يكن من قبيل العبث أن يتعاطى الرئيس القبرصي بشيء من “الدعابة” مع تهديدات نصرالله فيصفها ب”غير اللطيفة” قبل أن يعتبرها منافية للحقيقة.

إنّ تهديد قبرص، وإن أظهر نصرالله، قويًّا، إلّا أنّه في الواقع يظهر أنّه يعاني من اضطرابات، فإكثار الأعداء، في اللحظات الحرجة، من علامات الرعب!

إنّ استثمار “الهدهد” شيء والإنحراف الى “الهدهدة” شيء آخر!

المقال السابق
متى تبدأ الحرب الإسرائيلية الشاملة على "حزب الله" في لبنان؟
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

واعظ الأحد و"نافي" الإثنين

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية