الفصح هو الاحتفال الديني الأهم عند المسيحيين، ويعني تذكار قيامة المسيح من الموت، كما يرد في ا لأناجيل.
لكن الطوائف المسيحية المختلفة تحتفل به في تواريخ متباعدة كل سنة، ونادراً ما يصادف في اليوم ذاته.
لا علاقة للاختلاف بجوهر المناسبة، بل يرتبط بعمليات حسابيّة وفلكية، نظراً لاتّباع الكنائس لتقويمين مختلفين: تقويم قديم هو التقويم اليولياني، وتقويم أحدث وهو التقويم الغريغوري أو التقويم الميلادي.
ماذا يعني ذلك؟ وكيف ينعكس على مواعيد الاحتفالات الدينية؟ وما هي القاعدة التي أرساها مجمع نيقية عام 325؟
تقويمان مختلفان لمناسبة واحدة
تتبع الكنائس في العالم تقويمين، تقويم غربي أو التقويم الغريغوري، وتقويم شرقي أو التقويم اليولياني.
يتوزع المسيحيون بحسب التقويم على الشكل التالي:
كنائس تتبع التقويم الغربي، واحتفلت بالفصح هذا العام في 31 مارس/ آذار:
الكاثوليكية: تنتشر في جميع أنحاء العالم، مع كثافة في أمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا. وينضوي تحتها في الدول العربية طوائف مثل الموارنة في لبنان، والأقباط الكاثوليك في مصر.
البروتستانتية: يتركز أتباعها بشكل رئيسي في أمريكا الشمالية وأوروبا وبعض مناطق أفريقيا.
الانغليكانية: يتركز أتباعها في المملكة المتحدة وبعض مناطق أفريقيا وأستراليا.
كنائس تتبع التقويم الشرقي، وتحتفل بالفصح هذا العام في 5 مايو/ أيار:
الأرثوذكسية الشرقية: يتركز أتباعها في شرق أوروبا واليونان وروسيا وبعض مناطق الشرق الأوسط.
الكنائس المشرقية القديمة: مثل الكنيسة القبطية الأرثذوكسية في مصر، والكنيسة الأرمنية، والكنيسة الأثيوبية.
ما سبب هذا الاختلاف؟
لنبدأ من المسيحيين الأوائل.
بحسب الأناجيل، صُلب المسيح وقام من الموت، عند زيارته مدينة أورشليم، خلال الاحتفالات بعيد الفصح اليهودي. لذلك، ارتأى المسيحيون في القرون الأولى أن تُصادف ذكرى القيامة بعد الفصح اليهودي.
بحسب التقويم العبري، يبدأ الاحتفال بالفصح اليهودي في 15 شهر نيسان العبري، وهو أول أشهر الربيع، ويكون البدر في ذلك التاريخ مكتملًا.
وبناءً على ذلك، اتفقت الكنائس الأولى، على توحيد موعد عيد القيامة، في مجمع نيقية الأول، عام 365، وفقاً لقاعدتين: • أن يقع في يوم الأحد الأول بعد اكتمال البدر الأول من فصل الربيع.
• أن يأتي بعد الفصح اليهودي.
ومجمع نيقية هو اجتماع دعا إليه قسطنطين الأول، وكان أول امبراطور يوناني يعتنق المسيحية، ونوقِشت خلاله شؤون عقائدية مهمة، منها تاريخ الاحتفال بعيد القيامة.
ونيقية هي مدينة إغريقية قديمة تقع على ساحل الأناضول الغربي عند بحر مرمرة، في تركيا اليوم، وتسمى حالياً إزنيق.
وكانت كنيسة الإسكندرية قد حدّدت تاريخاً ثابتاً للاعتدال الربيعي سواء اتسق مع الظاهرة الفلكية أم لم يتسق، وهو 21 مارس/ آذار، لهذا لا يمكن الاحتفال بالفصح قبل هذا التاريخ.
وهكذا، بقيت الكنائس تحتفل با لعيد في الوقت ذاته لقرون، فما الذي حدث؟ ولماذا تغيّرت المواقيت؟
إصلاح التقويم
في زمن مجمع نيقية، كانت الإمبراطورية الرومانية تعتمد ما يعرف بالتقويم اليولياني، وهو التقويم الذي أقرّه الإمبراطور يوليوس قيصر، عام 45 قبل الميلاد.
اعتُمد ذلك التقويم في الإمبراطورية الرومانية ومعظم أنحاء العالم لأكثر من 1600 سنة.
مع وجود أخطاء تراكمت عبر السنوات في احتساب الأيام والسنوات الكبيسة، برزت عيوب في التقويم اليولياني، إذ بات هناك عدم اتساق واضح بين التواريخ ودورة الفصول.
عندها، أعلن البابا غريغوريوس الثالث عشر، عام 1582، عن إصلاح في التقويم، واعتماد تقويم جديد، بات يعرف بالتقويم الغريغوري نسبةً إليه، وهو التقويم الميلادي المتّبع في معظم دول العالم حتى يومنا.
لكن الكنائس الشرقية بقيت تتبع التقويم اليولياني لأسباب تتعلّق بالحفاظ على التقاليد، وبرفض التبعية لقرارات بابا الكاثوليك.
وتظهر الفوارق بين التقويمين في احتساب الأشهر الشمسية والأشهر القمرية، فالفرق في السنة الشمسية نحو 13 يوماً، وفي السنة القمرية 4 أيام.
حالياً، لم تعد الكنائس الغربية تلتزم بقاعدة نيقية القائلة بضرورة الاحتفال بالعيد بعد الفصح اليهودي، ولكنها تلتزم بمراعاة قاعدة الاحتفال به، بعد اكتمال البدر الأول من فصل الربيع.
هكذا، احتفلت بالعيد هذا العام في 31 مارس/ آذار، بفارق خمسة أسابيع عن الكنائس الشرقية.
من جانبها، أخرت الكنائس الشرقية الاحتفال بالفصح شهراً كاملاً، لوقوع الاعتدال الربيعي بحسب التقويم اليولياني، في 18 مارس/ آذار، وليس في 21 منه.
ثمّ أخرته أسبوعاً إضافياً آخذة بعين الاعتبار مواعيد الفصح اليهودي الذي صادف هذا العام في الأسبوع الأخير من شهر أبريل/ نيسان الماضي.
منذ سنوات، تحاول الكنائس توحيد العيد في تاريخ جامع، ولكن هناك معوقات كثيرة منها الاختلافات في التقاليد إلى جانب تاريخ الانقسام بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
في عام 2025 مثلاً، سيحلّ العيد في تاريخ واحد لدى الطوائف كافة، وذلك ما يتكرّر كلّ بضع سنوات.
ورغم الاختلاف الطقوسي، إلا أنّ ذلك انعكس تنوّعاً في التقاليد الدينية، فبالرغم من أنه تذكار لمناسبة دينية واحدة، إلا أن احتفالات عيد الفصح تأخذ أشكالاً مختلفة بتنوّع الثقافات والبلدان والعادات.
سناء الخوري (بي بي سي العربية)