زاد الفارق بين طول النساء والرجال، خاصة في البلدان ذات الظروف المعيشية الجيدة، بشكل كبير خلال المئة عام الماضية. بالنسبة للرجال زاد الطول والوزن بسرعة مضاعفة مقارنة بالنساء. فما الأسباب؟
الدول العشرين التي تضم أطول الرجال والنساء كلها تقريبا في أوروبا. لكن البشر في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا يزدادون طولا أيضا. أما في مناطق أخرى، مثل الولايات المتحدة، فظل الحجم كما هو.
وبالمقارنة بين الجنسين، ينمو الرجال بشكل أسرع بكثير. كما أن الفارق في الطول بين النساء والرجال اليوم صار أكبر بكثير مما كان عليه قبل 100 عام، بل ويزداد اتساع الفارق أكثر.
أجرى باحثون دراسة، قارنوا فيها بيانات منظمة الصحة العالمية لـ 135 ألف شخص من 69 دولة مع ظروفهم المعيشية. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة العلمية في مجلة “Biology Letters”.
وأظهر تحليل البيانات من مختلف أنحاء العالم أن طول ووزن الرجال زادا بسرعة، أي أكثر بمرتين من النساء خلال القرن الماضي، وخاصة في مناطق العالم الأكثر رخاءا. وكون الناس يصبحون أطول، تعود حسب الدراسة إلى ظروف المعيشة الأفضل والرعاية الصحية الجيدة والتغذية. وفي البلدان الأقل ثراء، يظل كلا الجنسين أصغر حجما وأكثر تشابها في الحجم.
كلما زاد الثراء.. اختلف الأمر أكثر
يعيش في هولندا أطول الرجال في العالم، بمتوسط طول 183.8 سم، وأطول النساء، بمتوسط طول 170.4 سم. أمّا أقصر الرجال في العالم فيعيشون في تيمور الشرقية بمتوسط طول 160.1 سم، وأقصر النساء في العالم تعيش في غواتيمالا بمتوسط طول 150.9 سم.
حسب فرضية الدراسة، كلما كانت الدولة أكثر ثراء وكانت الرعاية الطبية فيها أفضل، زاد طول شعبها. لكن هذه الفرضية صحيحة جزئيا فقط. إذ تَظهر أحجام الجسم الصغيرة في بلدان غنية أيضا مثل سنغافورة أو قطر، مما يوضح أن الأسباب الاقتصادية أو الطبية ليست وحدها المسؤولة عن ذلك.
وتمثل العوامل البيئية مثل النظام الغذائي ومستوى المعيشة نحو 20 في المئة فقط من أسباب هذا التباين، إذ إن حوالي 80 بالمئة من حجم الجسم يكون سببه العوامل الوراثية، فمتوسط طول الوالدين يعطي مؤشرا جيدا لطول الأبناء.
تؤدي بعض الجينات، بما في ذلك جين موجود على الكروموسوم Y، إلى إطالة مرحلة نمو العظام عند الرجال. ولكن في الأساس لا توجد “جينات طول” واحدة. هناك ما يصل إلى 12 ألف متغير جيني يؤثر على حجم الجسم. تنظم هذه الجينات عمليات مثل نمو الهيكل العظمي، وآليات تكوين العظام والغضاريف، وإنتاج الكولاج ين. ويعتبر بروتين الكولاجين البنيوي بمثابة إطار داعم لأنسجتنا البشرية.
ليست مسألة جينات فقط
بالإضافة إلى الأسباب الوراثية، فإن الاختلافات الهرمونية تتحكم أيضا في النمو، إذ تصل الفتيات إلى مرحلة البلوغ مبكرا، مما يوقف النمو مبكرا. أما الذكور، فيكون لديهم وقت أطول للنمو.
وبحسب الدراسة فإن اختيار الشريك يلعب أيضا دورا محوريا، إذ تميل النساء إلى اختيار الرجال الأطول قامة، لأن الطول يرتبط غالبا بالنسبة لهن بالقوة والحيوية والحماية. وقد أدى هذا على مر الأجيال إلى أن يتمكن الرجال طوال القامة من نقل جيناتهم في كثير من الأحيان.
الرجال يستفيدون أكثر من الرعاية الصحية
في العديد من بلدان العالم، تعاني الفتيات والنساء من سوء التغذية مقارنة بالفتيان والرجال، مما قد يضعف إمكانيات نموهن. ولكن حتى في ظل الظروف المعيشية المثالية، لا يتزايد طول النساء بسرعة.
وبحسب الدراسة المذكورة أعلاه، يبدو أن تحسين ظروف المعيشة له تأثير أكبر على الرجال مقارنة بالنساء. ويمكن لجسم الذكر الاستفادة من الأطعمة الإضافية والغنية بالطاقة بشكل أكثر فعالية للنمو، وليصبح الجسم أكبر وأقوى.
أما بالنسبة للنساء، فإن هذا التأثير ليس واضحا حتى في ظل ظروف المعيشة المثالية. وبحسب الدراسة، فإن السبب في ذلك قد يكون أن جسد الأنثى، حتى في ظل ظروف معيشية جيدة، يستثمر طاقة أكبر بكثير في حالات الحمل والرضاعة الطبيعية.
ومع ذلك، فإن حجم الخلايا الجسدية والوفرة المرتبطة بها لها أيضا دور مهم، لأن الرجال طوال القامة يعانون بشكل متكرر من آلام الظهر، ويمرضون في كثير من الأحيان ويزيد لديهم خطر الإصابة بالسرطان.
لماذا يتقلص حجم الإنسان مع تقدمه في السن؟
بغض النظر عما إذا كان الشخص رجلا أو امرأة، بصحة جيدة أو مريضا، فبدءا من سن الثلاثين، يبدأ الأشخاص في الانكماش دون استثناء، بنحو 1 سم كل عشر سنوات. يرتبط هذا بشكل أساسي بـ”أقراصنا الفقرية”. ومع تقدمنا في العمر، ينخفض محتوى السوائل في أجسامنا، مما يؤدي إلى فقدان الأقراص الفقرية، التي بسبب مرونتها تعمل كممتصات للصدمات بين فقرات العمود الفقري.
كما يمكن لأمراض مثل هشاشة العظام أو سوء الوضعية بسبب الجلوس لفترات طويلة أن تؤدي إلى تسريع الانكماش.
ولا يمكن إيقاف العملية، ولكن يمكن تأخيرها. على سبيل المثال، من خلال الجلوس بشكل مستقيم، وممارسة التمارين الرياضية بشكل كاف، وإجراء تدريبات مستهدفة للظهر.