__رفائيل بوخنيك - حن
__
تمديد وقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله حتى 18 شباط/فبراير بعد حالة من عدم اليقين سادت حتى اللحظة الأخيرة في 26 كانون الثاني/يناير، وقد منع هذا حدوث مشكلات دبلوماسية لإسرائيل مع إدارة ترامب. وفي الوقت عينه، هناك تساؤلات كثيرة بشأن الخطوات المقبلة في الميدان في جنوب لبنان، في ظل تباطؤ الجيش اللبناني عن القيام بمهمة السيطرة على المنطقة الواقعة جنوب الليطاني. وقد أوضحت إسرائيل بصورة غير قابلة للجدل أنها لن تسحب قواتها من جنوب لبنان ما دامت هناك مواقع لحزب الله على الأرض، وتوجد اليوم شكوك في القدرة الحقيقية للجيش اللبناني على فرض سيادته في جنوب لبنان. عدم وجود حوافز لتجدد إطلاق النار
في كل الأحوال، يبدو ظاهرياً على الأقل أن حوافز حزب الله من أجل استنئاف الأعمال العدائية ضد إسرائيل في التوقيت الحالي ليست كبيرة، وذلك في خضم عملية الفحص الذاتي التي يقوم بها الحزب لهزيمته في المعركة التي بادر إليها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تضامناً مع “حماس” في “طوفان الأقصى”، في محاولة لتحقيق وحدة الساحات في القتال ضد إسرائيل. يحاول التنظيم الشيعي أن يقدم صورة عن نصر باهر، لكن في الاختبار الواقعي، وبعد اغتيال زعيمه الأسطوري حسن نصر الله على يد إسرائيل، إلى جانب الجزء الأكبر من سلسلة قيادة الحزب و مقتل قرابة 2500 ناشط في الميدان، فإن التباهي بهزيمة “العدو الصهيوني” هو نوع من واجهة موجهة إلى الاستهلاك الداخلي لا أكثر.
استيعاب الضرر الدراماتيكي الذي تعرضت له قوة الحزب
يستوعب حزب الله أن ترسانة الأسلحة الهائلة التي لديه، الدفاعية منها أو الهجومية، تقوضت بصورة جوهرية، بالإضافة إلى الضرر الجسيم الذي لحق بصفوف قواته وصواريخه الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى، والتي بناها وحافظ عليها الحرس الثوري الإيراني كنوع من سلاح ردع، وكجبهة أمامية إيرانية تتيح القدرة على “توجيه ضربة ثانية” ضد إسرائيل.
وعلى صعيد الوعي، يمكن وصف العملية الاستخباراتية الإسرائيلية المذهلة في 17 أيلول/سبتمبر، عبر تفجير آلاف أجهزة الاستدعاء المستخدمة في مقرات الحزب ومن طرف أفراده في آن واحد، كبداية تقويض لمكانة الحزب العسكرية، وقد كان قبل ذلك قادراً على فعل ما يشاء في لبنان. انهيار “محور الشر الإيراني”
لكن الضربة الأقسى التي تعرض لها حزب الله حتى الآن كانت سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024. لسنوات طويلة، أدى النظام السوري دوراً مركزياً في المحافظة على “محور الشر الإيراني”، سواء على المستوى اللوجستي، أو ال أيديولوجي، مع التركيز على نشاط حزب الله بصفته الذراع العاملة ضد إسرائيل. ولا تقل أهمية عن ذلك الضربة الدراماتيكية التي وجهتها إسرائيل إلى إيران في هجومها الانتقامي الموجه ضد منظوماتها الدفاعية الجوية، بالإضافة إلى التسبب بوقف العمل في منشآت استراتيجية أُخرى في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2024، الأمر الذي سرّع بصورة كبيرة في تقويض القبضة الأسبارطية الإقليمية لطهران، وخصوصاً على لبنان. ..
فحص الذات للحزب
ما أهمية عملية فحص الذات التي يقوم بها حزب الله في هذا الوقت الصعب؟ ليس المقصود تشكيل لجنة تحقيق، إنما يبدو أن الحزب في حاجة قبل كل شيء إلى تحليل أسباب النتائج الكارثية للحرب، ومعرفة سبب الخروقات الأمنية التي سمحت بتسلل إسرائيلي عميق داخل أطر الحزب، وإعادة صوغ عقيدة استراتيجية لاستمرار المواجهة مع إسرائيل. والمعضلة في السياق الأخير تتعلق بمسألة ترميم القوة العسكرية وتأهيل كادرات جديدة من المقاتلين، وكل ما له علاقة بإعادة إعمار الحيز المدني في جنوب لبنان الذي تسكنه أغلبية شيعية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يبدو أنه ليس في إمكان قيادة الحزب تجاهُل الأجواء المتزايدة داخل حزب الله، والتي تدعو إلى صوغ استراتيجيا تركز على الهوية اللبنانية للحزب. وإذا حدث ذلك، فإنه سيترجَم عبر تقليص الاعتماد التقليدي للحزب على إيران، والاندماج عملياً وبصورة جوهرية في السياسة الداخلية اللبنانية. من حيث التوقيت، ومما لا شك فيه، أن انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ رئاسي طويل، وتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، يزيدان من مجموعة القيود التي تؤثر في بلورة مسار الحزب في لبنان، بالإضافة إلى الصفعة الكبيرة الناجمة عن هذه التطورات في نظر إيران.
إن الضعف الحالي لإيران في المنظومة الشرق أوسطية، مع تقويض “محور الشر الشيعي”، يضع الأساس المريح للمحور السني البراغماتي بقيادة السعودية، وربما يكون لبنان أول حالة اختبار تجسد التغير الجيو-استراتيجي في هذه المنطقة.
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تصنيف حزب الله كحزب مؤثر في لبنان، فإنه يبدو أن طموح رئيس الجمهورية اللبناني عون في تحقيق شعار “جيش واحد في دولة موحدة”؛ بمعنى نزع سلاح الحزب بدعم من المجتمع الدولي، سوف يؤثر في توجهات الحزب، ومن الممكن أن نتوقع من الآن فصاعداً بحذر أن ما كان قائماً في الماضي لن يتكرر.
إن تدخّل الدول الكبرى، وخصوصاً الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في صوغ التوجه الجديد للبنان سيشكل حاجزاً في وجه الجناح المتشدد لحزب الله الذي لم يتخلَّ عن أمله في استعادة ترسيخ قوته العسكرية وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان.
في جميع الأحوال، وفي اللحظة الراهنة، يبدو أن إمكان تجدد إطلاق النار من طرف حزب الله ضد إسرائيل محدود وغير ممكن، وفي حال تبيّن أن هذا السيناريو المتفائل يستند إلى أسس متينة، فإن هذا يشكّل تعبيراً ملموساً عن الضربة التي وجهها الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله، والذي كان حتى الآن يُعتبر أقوى جيش “إرهابي” في العالم.