قبل اطلاق “حركة حماس” عمليتها النوعية في غلاف غزّة التي سيكتب عنها التاريخ كثيرًا، إيجابًا عسكريًّا وسلبًا انسانيًّا، كان الجميع يسلّمون بأنّ الفلسطينيّين في قطاع غزّة ليس لديهم ما يخسرونه وذهب البعض الى الاعتقاد بأنّ كثيرين من أبناء هذا القطاع الفقير والمحروم والمحاصر يفضلون ، أحيانًا، الموت على حياتهم البائسة!
وهذا يعني أنّ إعلان “حركة حماس” الحرب بهجوم صاعق في غلاف غزّة لديه أسبابه ومبرراته وخلفياته التي يمكن فهمها، بكثير من الأسى والألم، لأنّ الفلسطينيين عمومًا وقطاع غزّة خصوصًا لديه ما يربحه من تضحيات كبيرة سوف يدفعها في الحرب التي وقعت مع إسرائيل ولا يمكن ادراك مداها، خصوصًا مع تجرؤ وزير الدفاع الاسرائيل ي على اطلاق كلام حقير قبل أن يكون خطرًا، بوصفه أهل غزة بحيوانات في شكل انسان، ليبرر، بذلك، قرار قطع المياه والكهرباء عنهم، كجزء من الحصار الرسمي الذي جرى فرضه عليهم!
ولكن في المقابل، فإنّ لبنان ليس لديه ما يربحه من اقحام “حزب الله” له في حرب “طوفان الأقصى”، فويلات البلاد وشعبها ليست من صناعة اسرائيلية، بل هي من صناعة طبقته السياسية ولا سيما منها تلك التي خضعت وتخضع لأهواء “حزب الله” الذي حوّل نفسه الى جزء لا يتجزّأ من “الحرس الثوري الايراني”.
إنّ الحرب التي بدأت معالمها ترتسم في الجنوب، لن تقدّم للبنان شيئًا بل سوف تأخذ منه ما تبقى، فهو لن يفك حصارًا، ولن يفتح معبرًا، ولن يحرّر أرضًا، ولن يوقف تعديات، ولن ينتقم من إهانات!
إنّ هذه الحرب، اذا سار اليها “حزب الله” سوف تدمّر ما تبقى، ولن تجد مالًا يعمّر، ولا ملاجئ تأوي، ولا دولًا تتعاطف. لن يجد لبنان شيئًا ايجابيًّا، بل سوف يحصد كل السلبيات فتتضاعف المآسي والكوارث والويلات.
وهذه الحرب لن تساعد لا الفلسطينيين ولا غزّة، بل سوف تفيد إسرائيل. شرعية الحرب الاسرائيلية مع غزة منقوصة، فما فعلته الدولة العبرية بسكان غزة ، على مدى عقود ودفع بهم الى حافة اليأس، سوف يكون عاملًا ضاغطًا عليها، وسوف يضطرها، على الرغم من الانكسار في غلاف غزّة، الى وقف اطلاق النار، عاجلًا أم آجلًا!
إنّ دخول “حزب الله” الى الحرب سوف يكون لمصلحة إسرائيل، لأنّه سيعطي حربها التدميرية ما يكفي من مبررات، اذ حينها سيتم التعاطي مع غزة ولبنان وكل من يشارك في هذه الحرب على اساس أن الجميع ليسوا سوى مجرد ادوات ايرانية، الأمر الذي سوف يجعل العالم كله يصطف خلف إسرائيل لتنتصر على ايران، انتصارًا مبينًا!
ومن يدقق في طريقة تعاطي إسرائيل مع حزب الله” في اليومين الاخيرين يدرك أنّ إسرائيل ابلغت “حزب الله” أنّها تستدعيه الى الحرب، لأنّها تصعّب عليه شروط عدم الدخول فيها، من خلال الإخلال بقواعد الاشتباك باستهداف مركز فيه…بشر!
إنّ “حزب الله” كان يلعب في دائرة إلهاء قسم من الجيش الاسرائيلي على الحدود من لبنان لتخفيف الضغط عن قطاع غزة، فذهب الاسرائيلي الى أبعد من ذلك، فاستدعاه الى حرب يبدو أنّه يفضلها شاملة، في هذه اللحظات، على مناوشات الإلهاء!
هذا يعني، باختصار كلّي، أنّ ادخال “حزب الله” للبنان في حرب “طوفان الأقصى” لن ينفع الفلسطينيين وسيغرق لبنان!