ليس من سوء الظن فحسب، القول ان تعليق الانسحاب الإسرائيلي من الشريط الحدودي هو حجر عثرة في طريق العهد الجديد ا لذي يسعى الرئيسان جوزف عون ونواف سلام لاطلاقه، يمهد لقراءة إسرائيلية جديدة لوثيقة الاستسلام التي وقعها لبنان قبل شهرين، تتجاوز خطة تجريد حزب الله من السلاح الثقيل على أنواعه، لكنها بالتأكيد لا تتصل بموقع الثنائي الشيعي ودوره وحصته في الحكومة الجديدة.. مع العلم أن تلك الوثيقة هي حجة دامغة ضد الثنائي وتكشف أن سوء إدارته للتفاوض كان أخطر من سوء إدارته للحرب، ما أسفر عن الكارثة المزدوجة التي ستبقى مع لبنان لسنوات عديدة مقبلة.
سوء إدارة “الثنائي” للتفاوض كان أخطر من سوء إدارته للحرب، ما أسفر عن الكارثة المزدوجة التي ستبقى مع لبنان لسنوات عديدة مقبلة
قد يكون الأمر مجرد محاولة لفرض أولوية إسرائيلية على العهد الجديد، الذي يبدو أنه قفز عن اتفاق وقف اطلاق النار والترتيبات الأمنية المطلوبة لتنفيذه، ليصل بسرعة إلى اطلاق وعود اعادة الاعمار في الجنوب التي أصابها من الخراب والدمار في الشهرين الماضيين أكثر مما تعرضت له في شهري الحرب السابقين، من دون ان يأخذ بالاعتبار أن واحدة من أهم أوراق القوة (والابتزاز) التي يعتمدها العدو هي ورقة إعادة الاعمار..وهو يؤكد كل يوم تقريباً أنها سابقة لأوانها، ولن تتكرر معها تجربة ما بعد حرب العام 2006، بكامل تفاصيله المحلية والعربية والايرانية.
لم يعد بإمكان أحد في لبنان ، أو في المحيط ، أن له دوراً في صناعته، يتخطى تسليم السلاح
إزالة الذرائع الإسرائيلية يفترض أن تظل بنداً رئيسياً على جدول الاعمال اللبناني، يتقدم على الترقب المصطنع لردود فعل حزب الله على قرار تعليق الانسحاب من الجنوب. قرار الحرب والسلم، الذي لم يكن عملياً في يد الحزب، صادرته إسرائيل نهائياً. ولم يعد بإمكان أحد في لبنان ، أو في المحيط ، أن له دوراً في صناعته، يتخطى تسليم السلاح.. الذي يتم تسليمه بالفعل ، ولكن بوتيرة وطريقة تحتاج الى المزيد من الالتزام، العلني ، إذا اقتضت الضرورة، والى المزيد من كسب الوقت الثمين للبنان، حتى ولو أقتضى الامر إشراك حراس البلديات في مصادرة السلاح..واحترام قرار الجيش اللبناني، بعدم دخول القرى الحدودية المحتلة، قبل إنسحاب العدو، الذي كان ولا يزال يلح على إجراء عمليات تسليم وتسلم بين قواته وبين وحدات الجيش.
واحدة من أهم أوراق القوة (والابتزاز) التي يعتمدها العدو هي ورقة إعادة الاعمار
تعليق الانسحاب الإسرائيلي الذي تم بغطاء أميركي واسع، يضع السلطة اللبنانية الجديدة أمام إختبار حرج، لكنه ضروري بغض النظر عن موقف الثنائي الشيعي. فهي مكلفة بتنفيذ اتفاق لم تفاوض ولم توقع عليه، وهو من تركة ذلك الثنائي، الذي يساوم اليوم على مرحلة إعادة الاعمار، قبل حصر المسؤوليات المشتركة والخاصة، والجهات التي يمكن ان تدعى للمساهمة في تلك العملية، وهو أيضا يناور في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، ويطالب بحصص سابقة للعام 1989..وكأن شيئاً لم يكن من الكارثة المزدوجة التي تسبب بها سوء إدارة الحرب وإعلان الاستسلام.. وهو يطالب بوزارة المالية، بدلا من أن ينادي بإستحداث وزارة للإعمار، أو يبدي بعض الثقة في السلطة العتيدة وعزمها المفترض على تصحيح أخطاء اتفاق الاستسلام، وتحرير الأرض الجنوبية من دون شروط قاتلة!
الثنائي الذي يساوم اليوم على مرحلة إعادة الاعمار، قبل حصر المسؤوليات المشتركة والخاصة، والجهات التي يمكن ان تدعى للمساهمة في تلك العملية، وهو أيضا يناور في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، ويطالب بحصص سابقة للعام 1989..وكأن شيئاً لم يكن من الكارثة المزدوجة التي تسبب بها سوء إدارة الحرب وإعلان الاستسلام
قد لا يكون المطلوب الآن هو فتح باب المساءلة والمحاسبة للثنائي الشيعي، عما فعله بالطائفة والبلد كله، طوال عام مضى، على أقل تقدير، لكن مسؤوليته الحالية بالتعطيل، هي أغرب نتاج ممكن للمسؤولية عن الحرب ونتائجها. وهي تنم عن خلل عميق وموروث في التعاطي مع بقية الطوائف والقوى السياسية يعود الى الحقبة السورية الإيرانية المنقرضة. البحث سابق لاوانه في أهلية الثنائي الشيعي لقيادة الطائفة، والتفاوض والتوقيع بإسمها، خصوصا بعدما غاب النصير السوري والإيراني لهما، ولم يعد يمكن للطائفة سوى ان تعتمد على قواها الذاتية المشكوك بها، من دون أن تعتمد بصدق خيار اللجوء الى المصالحة، وليس بالضرورة الاستسلام أمام الطوائف الأخرى.. على الأقل للفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقررة في الشهر الخامس من العام المقبل.