"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

البعد الديني إحتلّ حيّزًا كبيرًا في لاهاي.. هكذا أظهرت جنوب إفريقيا في إسرائيل "دولة إباديّة"!

فارس خشّان
الخميس، 11 يناير 2024

البعد الديني إحتلّ حيّزًا كبيرًا في لاهاي.. هكذا  أظهرت جنوب إفريقيا في إسرائيل "دولة إباديّة"!

قدّم الفريق القانوني لجنوب إفريقيا، أمام قضاة محكمة العدل الدوليّة، اليوم الخميس كلّ الحجج القانونيّة وسرَد أبرز الوقائع الميدانيّة واستعرَض ما يلزم من الأدلة السياسية، في محاولة منه لإثبات ادعائه على دولة إسرائيل بارتكابها جرائم الإبادة الجماعيّة ضد الفلسطينيّين في قطاع غزّة.

ويقدم، غدًا الجمعة الفريق القانوني لإسرائيل ردوده على “مزاعم” جنوب إفريقيا، وفق خطة معدّة سلفًا هدفها إخراج الحجج والوقائع والأدلة من سياقها الاتهامي ووضعها في سياق “الدفاع الضروري عن النفس” في وجه “حرب إلغاء وجوديّة” يخوضها “محور الشر” بزعامة “الجمهوريّة الإسلامية في إيران”، على “أبناء النور”!

وتابعت إسرائيل، سلطة وموالاة ومعارضة، بانتباه كبير، مجريات الجلسة الأولى التي خصصتها محكمة العدل الدوليّة لجنوب إفريقيا حتى تفنّد ما ارتكبته من جرائم إبادة، بالفعل والقول، وثار غضب الجميع، في وحدة وطنية ذكّرت المتابعين بتلك التي تجلّت بعد هجوم المقاتلين الفلسطينيين على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول( اكتوبر) الماضي، إلى درجة دفعت بوزارة خارجيتها الى إصدار بيان لم يتردد في وصف جنوب إفريقيا بـ”الذراع القانوني لحركة حماس”.

وتكمن مشكلة إسرائيل الأخلاقيّة، في هذه المحاكمة غير المسبوقة بالنسبة لها، في أنّ المحكمة تنظر في اتفاقية دولية تناهض الإبادة الجماعية كان قد سهر كثير من اليهود الذين عانوا الأمرّين من النازية، على وضعها.

والنصوص التي وُضعت حتى لا تكرّر أنظمة جديدة ما قامت به النازية، تحوّلت، اليوم في لاهاي، الى أداة تستعملها جنوب إفريقيا لاستهداف إسرائيل التي تطلق على نفسها اسم “دولة اليهود”.

ويعاني الفريق القانوني الذي سلّمته إسرائيل مهمة الدفاع عنها، من مشكلة كبيرة، إذ إنّ محكمة العدل الدوليّة في هذه المرحلة من المحاكمة ليس المطلوب منها إصدار حكم على إسرائيل، يجرّمها أو يبرّئها من تهمة الإبادة الجماعيّة، بل المطلوب منها، في حال اقتنعت، وفق ظاهر الحال، بأنّ هناك معقوليّة لهذه التهمة، أن تأمر إسرائيل بالإلتزام بإجراءات قد تذهب الى حد أمرها بوقف كل العمليات العسكريّة في قطاع غزة.

وبالفعل، فإنّ الفريق القانوني لجنوب إفريقيا أنهى اليوم مرافعاته التي توزعت على ثماني نقاط بمطالبة محكمة العدل الدولية بفرض تدابير مؤقتة بما في ذلك إصدار أمر لإسرائيل بتعليق العمليات العسكرية فورًا في غزة، ودعوة إسرائيل إلى معاقبة كل من يحرض أو يدعو إلى ارتكاب إبادة جماعية في غزة.

ماذا حصل في جلسة اليوم التاريخية لمحكمة العدل الدولية، في “قصر السلام”، في لاهاي، وقد واكبتها في الطرق المؤدية الى هذا المبنى التاريخي، مظاهرتان واحدة مؤيدة لفلسطين وثانية مؤيدة لإسرائيل؟

انضم قاضيان أحدهما إسرائيلي( رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق أهارون باراك ) وثانيهما جنوب إفريقي (نائب رئيس المحكمة العليا السابق في جنوب أفريقيا ديكغانغ موسينيكي) بعدما أقسما اليمين القانونيّة، الى هيئة المحكمة المؤلفة من 15 قاضيًا دائمًا بينهم ثلاثة قضاة عرب ( نواف سلام من لبنان، محمد بنوتة من المغرب وعبد القوي أحمد يوسف من الصومال) .

افتتحت رئيسة المحكمة، وهي الأميركية جوان دونوغ الجلسة، وقبل أن تعطي الكلام لفريق الإدعاء الذي يمثل جنوب إفريقيا، استعرض رئيس قلم المحكمة الدعوى.

وافتتح وزير العدل الجنوب إفريقي رونالد لامولا مرافعات الفريق القانوني الذي يمثل بلاده، فاستعرض الأسباب التي دفعت حكومته الى تقديم هذه الدعوى.

وكان لافتًا أنّ هذا الوزير بدأ عرضه بالتذكير بما يتعرض له الفلسطينيّون منذ العام 1948، ” فالعنف والدمار في فلسطين لم يبدآ في 7 تشرين الأول(أكتوبر) بل هما مستمران، منذ الـ 76 سنة الماضية”.

وإذ اعتبر أنّ سكان غزة لا يزالون، بفعل الأمر الواقع، يخضعون للاحتلال المسيطر على معابرهم وكل مناحي الحياة عندهم، قال: “أدانت جنوب أفريقيا من جانب واحد استهداف حماس للمدنيين واحتجاز الرهائن في 7 تشرين الأول2023، ولكن لا يمكن لأيّ هجوم، مهما كانت خطورته، أن يبرر انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية. لقد تجاوزت إسرائيل هذا الخط، ولهذا السبب رفعت جنوب أفريقيا هذه القضية.”

وبعد وزير العدل، بدأ الفريق القانوني باستعراض الدعوى، فتمّ عرض للوقائع، من حيث القتل الممنهج والتدمير الكارثي والتجويع والتعطيش والتهجير.

ولأنّه وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، يجب أن يكون قتل المدنيين مصحوبًا بنية متعمدة حتى يتم اعتباره إبادة جماعية، تمّ تخصيص قسمًا وافرًا من المرافعات لإثبات النيّة.

ولم يكن ذلك صعبًا على الفريق القانوني، إذ إنّ تصريحات قادة إسرائيل، من رئيس الحكومة ورئيس الدولة حتى آخر عضو متشدد في الكنيست، كانت متوافرة بغزارة.

وكانت لخطابات بنيامين نتنياهو “حصة الأسد” ولا سيّما منها تلك التي لجأ فيها الى النصوص التوراتية حيث الدعوة الى قتل “جميع الأشرار”، فجرى تفنيدها بدقة.

ولم يكن وزير الدفاع يوآف غالانت محيّدًا إذ إنّ “خطاب الحيوانات” الذي قاله أكثر من مرة في توصيفه لسكان غزة، مقاتلين ومحتفين بعملية السابع من تشرين الأوّل، أخذ مساحة رحبة من التفنيد.

وبعد جولة شبه شاملة على خطابات الإبادة للفلسطينيّين الصادرة عن كبار القادة الإسرائيليّين كانت جولة على “السلوك التنفيذي” للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث عرضت وقائع تبيّن الإحتفالات بالقتل والتدمير.

وإثر هذه الوقائع، كانت القراءة القانونية للمادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعيّة، في محاولة لإثبات أنّ إسرائيل خرقتها، عن سابق تصوّر وتصميم.

وانتهت الجلسة الى تحديد المطالبات الفورية، لأنّ جنوب إفريقيا لا تريد من المحكمة أن تنتظر سنوات حتى إصدار أحكام، إذ إنّه عليها، عملًا بداعي العجلة والإلحاج، أن تأمر إسرائيل بوقف عمليات الإبادة الجماعية فورًا من خلال وضع حد للحرب على قطاع غزة، ورفع الحصار الغذائي والكهربائي والمائي والطبي والإستشفائي. “عاصفة” في إسرائيل وعلى الرغم من أنّ مضامين مرافعات الفريق القانوني لجنوب إفريقيا كانت معروفة مسبقًا بعناوينها العريضة، لكنّ تقديمها في المحكمة الدولية كان له تأثير كبير، إذ أظهر، برصانة بسلاسة وبمنطق، إسرائيل دولة “إباديّة”.

ولم تنتظر إسرائيل فريقها القانوني ليقدم غدًا الجمعة، على مدى أكثر من ثلاث ساعات، ردوده، فقد هبّت عاصفة فيها شارك فيها الجميع، بحيث تمّت مهاجمة المحكمة نفسها لقبولها بالإستماع الى “هذا الهراء”، كما تمّ اتهام جنوب إفريقيا بالتآمر مع “حماس” لأنّ حماستها لحقوق الإنسان هبّت ضد إسرائيل ولكنّها كانت خامدة في سوريا واليمن حيث قتل وشرد الملايين على أيادي شركاء جماس، كما قال هذا المساء رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو الذي يظهر، حتى هذه الساعة، أنّ “لسانه الديني” قد يجلب الإدانة لدولته إذ أضفى على أفعال جيشه بعدًا جرائميًّا خطرًا.

نشر في “النهار العربي”

المقال السابق
لبنان خسر وزيرة الثقافة في الحكومة الفرنسية

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

ماكرون يدعو الى حظر الأسلحة على إسرائيل ونتنياهو يقول له: عار عليك!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية