الذين ينتظرون في لبنان أن يخرج الدخان الأبيض من اجتماعات باريس بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، فيكون للبنان رئيس للجمهورية في الأيام الثقليلة المقبلة ، مرشحون لأنّ ينتظروا طويلًا .
إنّ الاستحقاق الرئاسي بمساره الحالي لا يشي بأنّ مباحثات الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي يوم الجمعة أفضت الى حسم اتجاه على آخر، فالطرفان الفرنسي و السعودي يعرفان تمامًا أنّ المشكلة موجودة في مكان آخر : طهران .
إنّ تمسك “حزب الله” العنيف حتى الآن بتنصيب سليمان فرنحية رئيسًا للجمهورية رغما عن أنف غالبية مسيحية معتبرة مستندة الى وجدان البيئة المسيحية العميقة الرافضة لسياسة الفرض و الاملاء المتبعة، لا يفيد بأنه سيتم تحرير الاستحقاق الرئاسي بالسرعة التي يتمناها معظم اللبنانيين . ومع أنّ مرشح التقاطع المعارض تمكّن في المنازلة الأولى بعد ترشيح جهاد ازعور من التفوق على مرشح “الثنائي الشيعي ” بفارق أصوات يتراوح بين ثمانية أو تسعة أصوات (جرى إخفاء صوت عمدًا) ، فإن الثنائي المذكور يرفض أخذ علم بأنّ اصراره على المضي بسياسة الفرض والاملاء المشار اليها لن يفضي إلا الى مزيد من التصلب لا المسيحي فحسب ، بل المتنوع البيئات أيضًا، لأنّ ما يحصل اليوم على مستوى رئاسة الجمهورية سيحصل لاحقًا عل مستوى جميع المواقع الدستورية او الحساسة في البلاد . ومن يعيب من البيئات المهددة حكما بسلوك الثنائي على المسيحيين رفضهم الخضوع اليوم ، سيجد نفسه لاحقًا مرغما على مقاومة محاولات الاخضاع بالسلوك الخطير نفسه.
لا يمكن مواجهة سلوك “الثنائي الشيعي ” الذي يشبه الى حد بعيد سلوك “الاطار التنسيقي ” في العراق (الوجه البرلماني ل”الحشد الشعبي ”) بالخضوع مرة بعد مرة، فمع هذا الطرف لا قعر للتنازلات المطلوبة من الآخرين ، و كما سبق ان قال الرئيس سعد الحريري في الخطاب الذي اعلن فيه تعليق عمله السياسي قبل عام و نصف :“لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني و التخبط الدولي ” ، فإن استمرار المعادلة الراهنة حيث يمارس “حزب الله”، بوصفه امتدادًا عضويًّا للنفوذ الإيراني، سياسة قائمة على الهيمنة والترهيب، وصولًا الى الإرهاب من اجل الإبقاء على لبنان منصة و قاعدة للنفوذ الإيراني في شرقي البحر الأبيض المتوسط ، لن تؤدي في أحسن الأحوال سوى الى مزيد من الانزلاق نحو الأسوأ على جميع المستويات .
بناء على تقدم ، لا بد من الدعوة الى تصليب الموقف الرافض للفرض و الاملاء، و الى العمل على توسيع مروحة القوى الرافضة لهذه السياسة ، و للخطر الذي تمثله على جميع المكونات و البيئات اللبنانية، كما انّ موقف المتفرج واللامبالاة من بعض الكتل في معركة الرئاسة التي نحن بصددها اليوم ، ليس له أي مبرر منطقي ، لأنّه موقف التواطؤ ليس على موقع رئاسة الجمهورية، بل على جميع المواقع الأخرى التي ستلي الرئاسة الأولى .
انه موقف التواطؤ على توازنات البلد ، وعلى ثقافة البلد ، ونمط العيش فيه ، وحرية البيئات الأخرى ووجودها ومستقبلها في لبنان .
في مطلق الأحوال، نكرر ما قلناه قبل مدة ، ان التهويل لا يصنع رئيسًا، و لنا أن نصمد بهدؤ و سلام ، ولا نسلّم بلدنا، و تاريخنا، و معنى وجودنا على هذه الأرض هدية لهؤلاء على طبق من ذهب !