"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الارجنتين من البؤس الى...الجنون !

ابراهيم ناصر
الجمعة، 24 نوفمبر 2023

الارجنتين من البؤس الى...الجنون !

في مؤشر إلى مستوى اليأس الذي بلغه الشعب الأرجنتيني من إمكانية الخروج من أزماته الاقتصادية والنقدية المستفحلة على مدى سنين طويلة ومن الحد من تفاقم الفقر والتدهور الاجتماعي، أوصل الأرجنتينيون نهار الاحد الماضي إلى رأس الدولة وبأغلبيّة واضحة رجلًا طارئًا على الحياة السياسية في البلاد، غريب الاطوار، يحمل برنامجًا شديد التطرف على جميع الأصعدة وبشكل خاص اقتصاديا واجتماعيا ويتبع أسلوبًا موغلا بالشعبوية للتقرب من الراي العام.

يعتبر رئيس الارجنتين المنتخب، “خافيير ميلي”، الذي سيتسلم سلطاته في العاشر من الشهر المقبل، الرئيسين السابقين الأميركي دونالد ترامب والبرازيلي جائير بولسونارو، أبرز شخصيتين سياسيتين يقتدي بهما، إلّا أنّ من تابع مواقف وتصرفات الرئيس الأرجنتيني الجديد خلال حملته الانتخابية، لاحظ أنّه تجاوز قدوتيه” بأشواط لجهة تطرفه وقطعه الحاد مع الأفكار السائدة.

“لن اعتذر لأنّني أحمل عضوًا ذكريًّا، ولن أشعر بالخجل لأنّني رجل ابيض، ازرق العينين وذو شعر أشقر”

على الصعيد الاجتماعي فإن ابن الثلاثة وخمسين عامًا، العازب من دون أولاد، يعارض مؤسسة الزواج ولا مشكلة لديه مع المثلية التي يعتبرها خيارًا شخصيًا. يدعم تشريع المخدرات وحيازة الأسلحة الشخصية وتجارة الأعضاء البشرية والحق الشخصي في انهاء الحياة (الانتحار) كما يعارض بشدة حق المرأة بالإجهاض.

وعد ميلي ناخبيه بأنّ لا مكان في حكومته العتيدة لما يسميه بالماركسية الثقافية والتي من بعض تجلياتها ضرورة إقرار الرجل الأبيض بالذنب تجاه كل أنواع الأقليات الاثنية والجنسية والجندرية مع ما يعنيه ذلك من إقرار تشريعات تفرض فرضًا ما يعتبره “ميلي” نوعًا من المساواة الوهمية والمصطنعة بين فئات المواطنين. وعلى سبيل المثال فقد لفت ميلي إلى نيته الغاء الوزارة المعنية بالمساواة بين الرجل والمرأة فيما أعلن بشيء من الاستفزاز “لن اعتذر لأنّني أحمل عضوًا ذكريًّا، ولن أشعر بالخجل لأنّني رجل ابيض، ازرق العينين وذو شعر أشقر”.

يخصص أسوأ النعوت لشريكه في المواطنة بابا الفاتيكان فرنسيس، فيصفه ب”ابن الزانية” و”أحمق روما” و”الرجل الذي يبشر بالشيوعية في العالم” و”ممثل الشيطان على الأرض”

يعتبر الرئيس الأرجنتيني الجديد الفوارق الاجتماعية مسألة طبيعة ويعارض السياسات الحكومية التي تعمل في سبيل العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل ويعتبر ذلك مفهومًا شاذًا ونوعًا من السرقة. يصف الاشتراكيين بالنفايات والبراز البشري ويخصص أسوأ النعوت لشريكه في المواطنة بابا الفاتيكان فرنسيس، فيصفه ب”ابن الزانية” و”أحمق روما” و”الرجل الذي يبشر بالشيوعية في العالم” و”ممثل الشيطان على الأرض”، ويفكر علنًا باعتناق اليهوديّة.

“إذا خُيّرت بين المافيا والدولة فسأختار المافيا. الأخيرة لديها قانون وهي تحترم التزاماتها، لا تكذب وتعتمد التنافسية في عملها”

تتميّز تصريحاته بالعبارات الصادمة وأسلوبه بالنقاش بالعدوانية الشديدة وميله الى استعمال الالفاظ النابية. في مناظرة له مع رئيس حكومة بيونس أيرس في ٢٥ آب ٢٠٢١ لم يتردد “ميلي” بوصف خصمه بال”يساري اللقيط “وبال”حثالة الصلعاء”. وفي وصف ازدرائه للدولة (التي سيقودها) لم يتردد في القول “إذا خُيّرت بين المافيا والدولة فسأختار المافيا. الأخيرة لديها قانون وهي تحترم التزاماتها، لا تكذب وتعتمد التنافسية في عملها” ويتابع في الموضوع نفسه وبمنتهى الابتذال «الدولة مثل متحرش أولاد وسط حضانة حيث الأطفال مقيدون ومطليون بالفازلين”.

يعتبر عملة الأرجنتين أقل قيمة من براز الحيوانات التي يمكن أن تتحول عند جفافها، على عكس العملة الأرجنتينية، الى سماد عضوي

على الصعيد الاقتصادي يعتبر “ميلي” من اتباع المدرسة الاقتصادية الشديدة الليبرالية والتي تعرف بالمدرسة النمساوية التي ترتكز على ما يعرف بالفردية المنهجية وترفض رفضًا مطلقًا تدخل الدولة في الدورة الاقتصادية. ويعتزم “ميلي” رئيسًا، وهو الخبير الاقتصادي المعروف، تطبيق مبادئ مفرطة بليبراليتها. فقد وعد ناخبيه بأنّه سيُعمل المقصّ في ميزانية الدولة ويقلّص الانفاق الحكومي نسبة الى الناتج المحلي من ٣٥ الى ١٥٪. للمقارنة فإنّ تلك النسبة في دولة مثل فرنسا تبلغ ٦٠٪. ولهذه الغاية ينوي الرئيس الأرجنتيني الجديد تخفيض حجم الدولة الى حده الأدنى وإلغاء وزارات أساسية، كوزارات التعليم والصحة والتضامن الاجتماعي والنقل وكذلك إلغاء المصرف المركزي والعملة الوطنية التي اعتبرها اقل قيمة حتى من براز الحيوانات التي يمكن أن تتحول عند جفافها، على عكس العملة الأرجنتينية، الى سماد عضوي.

على المستوى الدبلوماسي لا يخفي “ميلي” إعجابه بدولتين بشكل خاص إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ونيته تعميق التعاون معهما ورغبته بتخصيص أوّل زيارة خارجية له الى إسرائيل. في المقابل يبدي اشمئزازه من الدول ذات الاتجاه اليساري ولا يستبعد قطع العلاقات مع الصين وبرازيل “لولا”.

يتشارك حياته المنزلية مع خمسة كلاب يزعم انه يتواصل معها ويتبادل معها وجهات النظر في كافة الشؤون العامة

من المؤكّد ان فترة رئاسة “ميلي” المقبلة لن تخلو من الاثارة والتشويق، ولكن من الصعب تخيّل مستقبل باهر للأرجنتينيين في ظل قيادة شخص يحمل مثل هذه الأفكار ويتشارك حياته المنزلية مع خمسة كلاب يزعم انه يتواصل معها ويتبادل معها وجهات النظر في كافة الشؤون العامة.

تجربة جديرة بالمتابعة في ظل الجنون الذي يضرب عالمنا.

المقال السابق
احتفظ بصخرة معتقداً أنها من الذهب.. واكتشف المفاجأة بعد سنوات!

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

الخطوات التي وضعتها إسرائيل لحربها ضد "حزب الله"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية