لا جديد في مضمون الهجوم الذي تشنّه “حركة حماس” وشقيقاتها في “محور المقاومة” ضد دول عربيّة عدّة، فهي تتّبع الأدبيات نفسها التي تعتمدها منذ سنوات طوال، ومن يستمع الى ما يقوله، في هذه الأيّام الناطقون باسم الفصائل الناشطة في حرب “طوفان الأقصى” يتذكّر تلك التي كان قد جرى اعتمادها في حرب تموز( يوليو) 2006.
تتّهم “حركة حماس” وشقيقاتها في “محور المقاومة” هذه الدول العربيّة بالتخاذل هنا وبالتآمر هنالك، لأنّها لا تنفّذ لها ما تطلبه منها لدعمها في مواجهة إسرائيل.
ولكنّ التخاذل والتآمر مفهومان لا يكتملان إلّا إذا توافرت شروط التفاهم المسبق على المقدّمات كما على النتائج بين المتّهِم والمتّهَم. وهذان المفهومان يستحيل أن يتوافرا بين متباعدين في التكتيك وفي الأهداف، كما هي عليه الحال بين الدول العربيّة المستهدفة وبين القوى والتنظيمات في “محور المقاومة”.
ولعلّ المشكلة تبدأ في “نَسب” هذه القوى والتنظيمات، إذ إنّها جميعها، ولو بمستويات غير متساويّة، تتمحور حول “الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران”، فإذا كان “حزب الله” جزءًا لا يتجزّأ من “ولاية الفقيه”، فإنّ “حركة حماس” حليفة حقيقيّة ل”جمهوريّة الملالي”.
وهذا “النَسَب” العقائدي أو السياسي يعني أنّ منطلقات الهجومات العسكريّة التي تشنّها هذه القوى والتنظيمات وتستدعي إسرائيل الى “حرب متوحّشة”، تتقاطع مع مصالح إيران وبالتالي فإنّ أهدافها النهائيّة تصب في خانتها.
وخلافًا لكل القوى التي تدور في فلك إيران، فإنّ الدول العربيّة المستهدّفة لم تتخلّ فقط عن هدف “محو إسرائيل من الوجود” بل ذهبت أيضًا في “معاهدات السلام” و”اتفاقيات ابراهيم” و”مفاوضات التطبيع” إلى كل ما تعنيه عبارة “الإعتراف بالوجود”.
وهذا يعني أنّ الدول العربية المستهدفة بحملة “محور المقاومة” يستحيل أن تكون جزءًا من عملية “محو إسرائيل”، نظرًا لتعهداتها من جهة أولى وانطلاقًا من قناعتها بخلو هذا الشعار من مقوّمات النجاح، من جهة ثانية.
وإذا كانت “حركة حماس” قد عقدت تفاهمات مع إيران والتنظيمات الموالية لها في المنطقة تحت عنوان “تلاحم الساحات”، فإنّ الدول العربيّة ليست جزءًا من هذا التفاهم ولم يتم وضعها في صورته وأهدافه، وتاليًّا فهي لا يمكنها أن تكون جزءًا من حرب، حتى لو رغبت بذلك، تأتي بتوقيت الآخرين.
والتوقيت مهم للغاية، فمن يخطط للحرب ليس عليه أن يُفكّر فقط بالمصلحة الآنيّة ولا بالشعارات المرفوعة ولا بالمزايدة على القوى التي تقف إلى يمينه، بل عليه، قبل أي شيئ آخر، أن يحسب “الف حساب” للمعطيات السياسيّة والدوليّة، وللحقائق الماليّة والإقتصاديّة، وللإحتياطات الواجبة تجاه المدنيّين حتى لا يكونوا هم المهزوم الوحيد أو الأعظم في الحرب.
وإذا كانت القوى والتنظيمات التي تتبع أسلوب “حرب العصابات” يمكنها أن تتملّص من مسؤولياتها عن المدنيّين وعن الممتلكات العامة والخاصة، ويمكنها أن تُعلن الإنتصار حتى لو انهزمت عسكريًّا ومدنيًّا، فإنّ الدول ليست كذلك، لأنّ هزائمها وانتصاراتها لها مقوّمات موضوعيّة مختلفة، من ناحية ولأنّ المترتبات عليها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب لها قدرات خاصة، من ناحية أخرى.
ومن يدقق بأدبيات “محور المقاومة” منذ تكشّفت نتائج الهجوم النوعي على غلاف غزة، يدرك أنّ خطط هذه الدول العربيّة كانت في صلب أهداف هذا الهجوم العسكري، إذ إنّ المطلوب هو خلق ظروف من شأنها نسف مساعي التطبيع التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وكذلك الإنقلاب على تلك التي سبق أن توصّلت إليها دول عربيّة أخرى، مثل الإمارات العربيّة المتحدة والبحرين والمغرب.
ويُعتبر هذا الهدف المعلن من عملية “طوفان الأقصى” بمثابة خطوة نحو زعزعة الأنظمة العربيّة التي تصالحت أو طبّعت مع إسرائيل، وتاليًا، فإنّ عدم مناصرتها ل”حركة حماس” اصبح نوعًا من أنواع الدفاع عن النفس.
وبناء عليه، فإنّ “حركة حماس” معنيّة بما سبق أن تفاهم ت عليه مع إيران والقوى والتنظيمات الموالية لها، وهنا يقع لومها أو حمدها في مكانه الصحيح، ولكنّها لا تملك أيّ صدقيّة في الطلبات التي تتقدّم بها من الدول العربيّة الأخرى.
ولكن كل هذا لا يُعفي أيّ دولة من العمل بلا هوادة من أجل إنقاذ المدنيّين الفلسطينيّين من الجحيم الذي أرغموا على الوقوع فيه.
ولكنّ هذا العمل الإنساني لكي يوتي ثماره لا بدّ من أن يترافق مع خطة من شأنها أن تفصل بين إنقاذ المدنيّين من جهة ومناصرة “المستفرِدين بقرار الحرب” من جهة أخرى.
لسوء حظ أهل قطاع غزّة، فإنّ مصيرهم الأسود أصبح يُقرأ في المعادلات السياسيّة وليس في القواعد الإنسانيّة.