عدنان كريمة
تسارعت وتيرة الأحداث في كل من لبنان وسوريا، إذ يشهد البلدان تغييرات كبيرة. ويترقب الاقتصاديون باهتمام شديد تطور المرحلة الانتقالية للحكم السوري الجديد، والتي تمتد لفترة ثلاثة أشهر، يتم خلالها تحديد طبيعة المصالح التي ستبنى على أساسها العلاقة المشتركة، في ضوء الترابط التاريخي العميق في الجغرافيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الأسرية. لذا فإن كل التحولات التي أصابت سوريا لها أثر كبير على لبنان، ونتجت عنها أضرار وخسائر فادحة، علماً أن سوريا ليست فقط سوقاً واسعة بالنسبة للبنان، بل هي المعبر البري الوحيد له نحو العراق والأردن، ودول الخليج. ويتفاءل الاقتصاديون بنوعية المسارات السياسية وتطوراتها الإيجابية، ورهانهم على رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على سوريا، وكانت سبباً مباشراً في تدهور الاقتصادين اللبناني والسوري معاً. ويلتقي هذا التفاؤل مع موقف جامعة الدول العربية التي دعت في بيان رسمي كلَّ القوى المهتمة بتحقيق الاستقرار إقليمياً ودولياً إلى «دعم الشعب السوري لتخطي هذه الفترة الانتقالية المليئة بالتحديات»، وذلك من خلال «رفع أي عقوبات، لتمكين السوريين من الانطلاق إلى آفاق أرحب».
ويعود تاريخ العقوبات الأميركية، إلى نحو 50 سنة ماضية، عندما وضعت واشنطن سوريا على قائمتها الأولى للدول الراعية للإرهاب، بعد أن فشلت في أعقاب حرب عام 1973 في استمالة الرئيس الراحل حافظ الأسد وإبعاده عن الجماعات الفلسطينية المتطرفة. وقد توسعت تدريجياً في ظل تزايد الدعم السوري للمنظمات المدرجة على قائمة الإرهاب. ثم جاءت في عام 2011 الحربُ السورية التي قيل إن نظام بشار الأسد استخدم خلالها الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، إلى جانب الفظائع التي ارتكبها بحق المعتقلين، ما اضطرت الولايات المتحدة إلى إصدار «قانون قيصر» في 19 ديسمبر عام 2019، لحماية المدنيين، والذي وُصف بأنه أهم قوانين العقوبات ضد النظام السوري السابق، إذ فرض عقوبات على كل مَن يتعامل مع سوريا، اقتصادياً وعسكرياً، حتى أنهك النظام، وجعله في عزلة دولية.
وفيما تدرس واشنطن حالياً تقييم ممارسات «حكومة الإنقاذ»، خلال المرحلة الانتقالية، وإمكانية رفع «هيئة تحرير الشام» من قائمة الإرهاب، تعهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالاعتراف بالحكومة الجديدة، ودعمها بشكل كامل، لكي تكون قادرة على تحقيق الاستقرار في سوريا، بما يتماشى مع المصالح الإقليمية والدولية. وربطَ أي دعم لإعادة الإعمار، بمدى تحقيق تقدم في العملية السياسية وإنهاء العنف والفساد. واشترط لذلك تحقيق 4 مبادئ أساسية: أولها، الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254، أي أن تؤدي عملية الانتقال السياسي إلى حكم موثوق يمثل جميع السوريين، ويفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة والمحاسبة. وثانيها، تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين كافة. وثالثها منع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو لتهديد جيرانها. أما المبدأ الرابع والأخير فهو أن تضمن الحكومة الجديدة تأمين أي مخزونات للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، وتدميرها بأمان. وتجدر الإشارة إلى أن مفعول «قانون قيصر» ينتهي يوم الخميس المقبل، أي بعد مرور خمس سنوات على صدوره، وهو ينتظر قرار الإدارة الأميركية في ضوء نتائج تقييمها لمسار «حكومة الإنقاذ»، لجهة تمديد أو عدم تمديد مفعوله، مع العلم بأن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي سبق لها أن أقرت في 16 مايو الماضي مشروع قانون «مناهضة التطبيع مع نظام الأسد»، ويقضي بتوسيع نطاق عقوبات «قانون قيصر»، وتمديد مفعولها حتى عام 2032. لكن هذا المشروع اصطدم بخلافات داخل مجلس الشيوخ، حالت دون إقراره.
الاتحاد