قد تتحوّل بعض اللقاءات سواء كانت في العمل أو خارجه إلى عامل إغراء، فنظرة من زميلة أو زميل تشعر المرء ب”إعادة الحياة لحواسه ولثقته بنفسه”، هذا ما تقوله إيمان (٣٥عامًا)، عندما تتذكّر النظرات والابتسامات وكلمات الإطراء “المثيرة للاهتمام” التي كان يرسلها لها زميلها رشيد منذ فترة، ولو لم تلجأ إلى تغيير الحديث في كل مرة يقوم بذلك وتغضّ الطرف، لكانت ربما ذهبت بعيدًا، فهي تعرف أنها بقيامها بذلك، ستعرّض زواجها المستمر منذ ثماني سنوات للخطر، على الرغم من شعورها بأنها لم تعد مرغوبة من قبل زوجها.
وإيمان، التي تمرّ بلحظة محورية في حياتها، قد أنجبت أطفالها في سن مبكرة، وأنشأت شركة ناجحة، ووجدت نفسها تتحمّل مسؤوليات كبيرة في وقت مبكر جدًا، إلا أنّ شعورها بأنها متروكة وغير مرغوب بها من قبل زوجها، “الذي يتجاهل التزاماته العائلية وتنظيم العطلات وعيد ميلادها…” كما تقول، جعلها تبادل شريكها في العمل هذه الجاذبية، أو ما يطلق عليه في علم النفس “التعلّق العاطفي”.
تخمُّر للهرمونات
ولكن كيف يجب أن تتصرّف في هذه الحالة؟ هل تلعب بالنار فتستسلم للمخاطرة وتدمّر ما بنته على مدى سنوات؟ أو تُبقي الأمور في “إطار ا لإعجاب” فترضي بذلك غرورها، وتسمح للموجة.. بالمرور؟
“في لعبة العواطف، من الصعب تقديم دليل واضح ودقيق، ومع ذلك، يمكننا أن نؤكد أنه من الطبيعي، بل والصحي أيضًا، أن نشعر بمشاعر تجاه شخص آخر غير شريكنا، حتى عندما نكون في علاقة مستقرة وطويلة الأمد. الزواج والعلاقة الطويلة لا يحولان دون الوقوع في الحب، نحن على اتصال بعدد من الأشخاص خلال حياتنا، وإحصائيًا، هناك على هذا الكوكب أكثر من شخص واحد يمكن أن يكون لديه توافق معنا”، هذا ما تؤكّده الاختصاصية في علم النفس آميليا لوبي، مؤلفة كتاب “الاستقلال
.“L’independence émotionnelle”العاطفي”
إلا أنّ الأمور وعلى الرغم من طبيعتها ليست بهذه السهولة، خصوصًا في ضوء دور الهرمونات التي تتخمُّر في الجسم عند اللقاء الجديد.
فماذا نفعل بالأدرينالين أي هرمون اليقظة والتنبيه والإثارة؟ وماذا نفعل بالدوبامين، هرمون الرغبة والمتعة والإدمان والمكافأة؟ وماذا عن الكيسبتين، الذي يعزز تأثير التحفيزات البصرية والخيال، وينشّط الرغبة الجنسية وإنتاج التستوستيرون والاستروجين؟ وهذا كله يزيد من إيقاعات القلب، فيوسّع الخيال ويكبّر الحدقات… فمتى دخلت العاطفة على الساحة يدخل معها الشعف والهوس وحتى.. الإدمان.
“يمكن أن نصبح بسهولة “مدمنين” على هذه الدائرة من الرغبة والمتعة ونخلطها بالحب الحقيقي”، تحذّر أميليا لوبي.
إلا أنّ المشكلة تكمن عندما يخلط المرء بين الانجذاب والحب، فبسبب وجود نظامين مختلفين، نظام الرغبة ونظام الحب، حيث الاختلاف بينهما ضئيل جدًا، “يمكن للمرء أن يحب العديد من الأجساد، لكنه لا يستطيع أن يحب سوى عدد قليل من الأشخاص في حياته”، يعلّق الطبيب النفسي جوزيف أغوستيني ومؤلف كتاب “أغاني الحب تشفي قلب العالم” Les Chansons d’Amour guérissent le Cœur du Monde
ويضيف: ” المأساة الإنسانية تكمن في تصوّرنا أننا كائنات حصرية يمكننا أن نجمع بين الرغبة والحب”.
إلا أنّ بعض الأشخاص المرتبطين يرفضون حتى فكرة تصوّر الرغبة مع شخص آخر، وهذا ما يسمّى في علم النفس “سحق المشاعر أو قهرها”، بينما يرى البعض الآخر أنّ الملل في العلاقة الزوجية والنشاط الجنسي المكتوم، يمكن أن يحوّلا أي شخص إلى “مدام بوفاري” فيتصوّر أن وجود عشيق هو الحل النهائي للروتين.
ويقول جوزيف أغوستيني: “قبل السقوط وتخيّل الجاذبية الجنسية كأنها الخلاص من الملل، علينا تحليل الوضع بعناية، فقرارنا في اختيار شريك آخر يجب أن يقوم على مبدأ الاستدامة حيث يمكننا تحمل التحدّيات والاضطرابات اليومية، إنه زواج الأرواح، الذي يعمل أيضًا على الرغبة ولكن بطريقة مختلفة ولمدة غير محدّدة”. ويضيف: “عندما لا يكون هناك مزيد من الطاقة الجنسية في العلاقة الزوجية، يكفيه القليل لينهار”.
هل من الممكن أن يتحوّل الشعور المتسارع إلى حب حقيقي؟
إنّ أي انجذاب لشخص آخر، يمكن أن يكون بداية لانهيار أي علاقة قائمة بين إثنين، لما يكشفه من خلل فيها، ويشبّهه جوزيف أغوستيني ب”جرس انذار لفتح العيون”، فيكفي، متى انعدمت الرغبة وخفتت الطاقة بينهما، أن يقع التباعد وتتفكّك العلاقة”.
وهذا ما شعر به داني تجاه منى، عندما قابلها في منزل أحد الأصدقاء، فعلى الرغم من أنّ علاقته بندى تعود لفترة طويلة.. إلا أنّ الانجذاب جاء فوريًا بينهما.. فانتابه شعور بالخوف، يقول: “رأيت الشعور يتحوّل إلى حب، فكثيرة هي الأشياء التي جعلتني أنجذب إليها، ثقتها بنفسها، ثباتها في حياتها… بينما أنا، لم أكن متأكدًا من وضعي، كانت الأمور تسير بشكل مستقر في علاقتي وعملي، إلى أن التقيتها وأحدثت تأثيرًا عميقًا في حياتي”، يضيف داني.
طبعًا لم يجرؤ على إخبار ندى بالأمر، إلى أن أعلنت هي له، بعد أشهر، أنها قررت انهاء العلاقة، بسبب دخول شخص آخر الى حياتها. “لقد كانت أكثر شجاعة مني. تجرأت على ما لم أجرؤ على البوح به. اليوم منى لم تعد هي أيضًا في حياتي، لكنّني مدرك أن انجذابي لها كان محفّزًا للتغيير”، يقول داني.
قد تختلف الأمور من شخص إلى آخر كلٌ حسب مجتمعه وبيئته وظروفه الفردية وقيمه الشخصية والأخلاقية والتربوية، ففي حين يعتبر البعض أنّ الصدق والشفافية هما الأساس للحفاظ على علاقة زوجية صحيّة، يعتبر البعض الآخر أن عدم الإفصاح عن المشاعر للشريك يضمن استمرارية العلاقة ويحافظ على سلام ووئام ولو في بعض الأحيان قد يكونا مؤقتين.
إلا أنّ الثابت الوحيد يبقى في ضرورة أخذ الوقت الكافي للتفكير قبل البوح بما يختلج في النفوس والتأمل في الآثار المحتملة التي قد تنتج عنها، فتناغم القرارات المتخذة مع القيم الشخصية تبقى المرجعية الحاسمة للتعامل مع هذه المواقف “المعقّدة”.
ويقول أغوستيني: ” كل شيء يعتمد على الطريقة التي تريح ضمائرنا وتتفق مع قيمنا، وتحفظ التوازن بين الثقة والشفافية في العلاقة والحفاظ على الرغبات الشخصية”.
فنضج العلاقة بالنسبة له، يكمن في مسألة التعبير بالكلام، ويقول: “عندما تمر علينا سنوات من العيش المشترك، يشعر الشخص برغبة في شيء آخر، حتى لو جرى قمع هذه الرغبة لفترة طويلة بسبب الأنماط التقليدية، ي بقى الأسلم مشاركة هذا الشعور مع الشريك للتحرّر من الشعور بالذنب وحتى لا يبقى في نظرنا.. مخدوعًا. .