إذا سُئلنا عن سبب اختيارنا لشريك حياتنا، قد نجيب: ربما لذكائه، أو لحسّه الفكاهي، أو لقِيَمه الأخلاقية، أو للطفه، أو ربما لمظهره الخارجي… ولكن ماذا لو كان الأمر أبسط من ذلك بكثير؟ في الواقع، هناك سبب آخر قد يوجّه خياراتنا العاطفية، بحسب الأبحاث الحديثة، وهي درجة التشابه مع الشريك، فهل يمكن أن يكون للأمثلة الشعبية مثل “الطيور على أشكالها تقع”، أو “يا متلنا تعوا لعنا” أو الدار ما بتلفّي إلا متل أصحابها” وغيرها… أساس علمي؟ وهل عن قصد أو غير قصد، نختار قضاء سنوات من عمرنا، وربما حياتنا كلها، مع شخص يشبهنا كثيرًا؟
التجانس الروحي
علميًا، تُعرف ظاهرة الميل إلى البحث عن شريك يشبهنا بـ”التجانس الزوجي” أو “الميل إلى التشابه”، إذ إن الشركاء العاطفيين يميلون إلى التشابه ليس فقط من الناحية الأخلاقية، إنما من النواحي الفيزيولوجية والاجتماعية أيضًا.
وتتعدّد أوجه التشابه بين الشركاء الذين يمضون سنوات طويلة معًا، سواء من حيث الطول، أو الوزن، أو الصحة الجسدية والعقلية، أو النظام الغذائي، أو العمر، أو التعليم، أو المهارات اليدوية، أو مستوى الذكاء، أو الصفات النفسية أو الشخصية، أو المواقف والقيم الأخلاقية، أو المعتقد الديني، أو المستوى الاجتماعي، أو الأصل العرقي، أو نمط الحياة، وغيرها من العوامل الأخرى التي يصعب حصرها…!
لكن هل حقًا ننجذب إلى أشخاص يشبهوننا أم أننا نصبح أكثر تشابهًا مع مرور الوقت نتيجة التقليد والتكيّف؟ وماذا عن مقولة: الأضداد تتشابه؟
كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تطرّقت إلى موضوع التشابه والاستمرارية إلا أن أي واحدة منها لم تثبّت ذلك.
ففي دراسة أجراها عام ١٩٨٧ روبرت ب. زاجونك وفريقه من جامعة ستانفورد في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية، عرضت على ١١٠ طلاب، ٢٤ صورة لأزواج متزوجين (١٢ صورة لرجال و١٢ لزوجاتهم)، بعضها التُقط عند الزواج، وبعضها بعد ٢٥ عامًا، وطُلب من المشاركين تقييم مدى تشابه كل زوجين، وتقدير احتمالية أن يكونوا متزوجين. وكانت النتيجة، أن الأزواج الذين عاشوا معًا لفترة طويلة بدا أنهم أكثر تشابهًا من الأزواج المتزوجين حديثًا.
وفسّر الباحثون هذه الظاهرة بأن الأزواج الذين يعيشون معًا لفترة طويلة ويقومون بأنشطة مشتركة ويتناولون الأطعمة ذاتها، يحدث معهم نوع من التماهي ينتج عنه مع مرور الوقت تشابهًا في الملامح.
مؤخرًا جرت إعادة هذه الدراسة مع الباحِثَين في جامعة ستانفورد أيضًا، تي-ماكورن وميشال كوسينسكي، باستخدام تقنيات حديثة، إذ قاموا بتحليل ٥١٧ صورة لأزواج، بعضها التُقط بعد الزواج مباشرة، وبعضها بعد أكثر من ٢٠ عامًا، وذلك باستخدام خوارزمية التعرّف على الوجوه.
وجاءت النتيجة بأنّ الأزواج يتشابهون أكثر من الأشخاص الغرباء، لكن بخلاف نتائج دراسة زاجونك، لم تزد درجة التشابه مع مرور الوقت، بل كانت موجودة منذ البداية، وبقيت ثابتة.
هذا بالتحديد ما حاول باحثون من جامعة توركو في فنلندا التأكد منه من خلال دراسة العلاقة بين ملامح الزوجات وملامح أمهات أزواجهن، والعكس بالعكس. فأكدت النتائج وجود تشابه بين الأزواج، كما كشفت أيضًا أن الرجال يميلون إلى اختيار زوجات يشبهن أمهاتهم، بينما لا يبدو أن النساء لديهن الميل نفسه تجاه آبائهن.
وأمر التشابه هذا لا يقتصر على البشر فقط، فقد أظهرت دراسة أخرى أجريت على الحيوانات، أن الخراف التي تربّت مع الماعز تميل لاحقًا إلى التزاوج معها بدلًا من الخراف، ما يشير إلى أن التربية تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل تفضيلات المرء العاطفية.
غالبية القارئات سيُسارعن إلى التساؤل: هل هذا يعني إننا نشبه حمواتنا؟
غالبًا ما يقع الإنسان في حب شخص يرى فيه انعكاسًا له، أو بدرجة أقل نسخة عن أحد والديه، (نتحدث هنا عن الأهل الأصحاء الذين لم يسببوا أي أذى لأبنائهم خلال فترة طفولتهم)، قد يبدو هذا الاستنتاج نرجسيًا أو حتى فرويديًا (نسبة إلى عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد)، إلا أنه مدعوم ومثبّت علميًا.
لكن ماذا عن الأشخاص الذين يفضلون الارتباط بشريك مختلف تمامًا عن أهلهم وأقربائهم؟ يجيب الباحثون: ربما يكمن التفسير في حب الاستكشاف والتكامل بدلًا من التشابه.