يعاني الإعلام العربي والعالمي، عن حسن أو سوء نيّة، من خطأ في استخدام مصطلح “فوبيا”، إذ كثيرًا ما يتم الدمج بينه وبين كلمة عداء، وقد أظهرت دراسات علم الأعصاب، أنهما كيانان مختلفان، لكل واحد منهما معنى مغايرًا عن الآخر ومكانًا محددًا في أجزاء معيّنة نشطة من الدماغ، فبنية دماغ الشخص المصاب بالرهاب مثلًا، تختلف تمامًا عن بنية دماغ الشخص الذي يتميّز سلوكه بالعدائية والضغينة، ففي حين تتركز ردود الفعل الناجمة عن “الفوبيا” في منطقة تسمّى بـ “اللوزة الدماغية”، يتكوّن سلوك العداء في منطقة تسمّى بـ “القاعدة الجانبية للدماغ”.
وقد بدأ سوء استخدام هذه المصطلحات، يأخذ حيّزًا كبيرًا في دراسات وأبحاث علماء النفس والاجتماع، لما تثيره من اضطرابات وصراعات ونعرات طائفية وعرقية وطبقية، وتعزّز التباينات في الآراء، وتغذّي روح الكراهية والعداء بين الشعوب.
الفرق بين الكراهية والفوبيا
لتحديد الفرق بين الفوبيا والكراهية علينا أولًا تعريفهما بشكل صحيح
ما هي الفوبيا؟
الفوبيا هي خوف مبالغ فيه من شخص أو حيوان أو شيء أو موقف، وقد تسبّب الكثير من المعاناة والحرج وحتى العزل اجتماعي، وهي تأخذ أشكالًا مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الخوف من العناكب والثعابين والحشرات والطيور والحيوانات الأليفة وغير الأليفة والمساحات الواسعة والمصاعد وركوب الطائرات…
وسأتطرّق هنا إلى حكايتي مع فوبيا القطط، أو معاناتي مع هذه المخلوقات اللطيفة و”المهضومة” كما يحرص كثيرون على وصفها. نعم معاناة بكل ما للكلمة من معنى، لما يسبّبه خوفي العنيف منها من حرج لي ولعائلتي ولعدم تفهّم كثيرين أن هذا الخوف هو خارج عن إرادتي.
وخوفي هذا، ليس سببه صدمة، فأنا لم أتعرّض أبدًا لأي هجوم من أي هرّ ولا حتى من أي حيوان على الإطلاق، وبالتالي أجهل تمامًا سببه. كل ما أذكره أنني منذ نعومة أظافري كنت أبدى خوفي من هذه المخلوقات الأليفة، وكانوا أهلي لتجنّب نوبات الهلع التي كانت تنتابني، يحرصون على مرافقتي أينما ذهبت، ظنًّا منهم أنهم يحموني منها، وقد تكون هذه الاستراتيجية قد أدّت إلى تفاقم حالتي مع تقدّمي بالعمر، إلى درجة أنني أول سؤال أطرحه قبل أن أزور شخصًا هو إذا كان لديه هرّ في البيت.
في علم النفس نادرًا ما تأخذ الفوبيا هذا المنحى إذ أنها تبقى محصورة بالاحتكاك مع الشيء “المخيف”، فكثيرون هم الأشخاص الذين يخافون من ركوب الطائرة مثلًا، لكن هم قادرون على الذهاب إلى المطار لاستقبال وافدٍ.
العداء:
العداء فهو سلوك اجتماعي مثير للإزعاج والرفض والكراهية والتنمّر والتهميش تجاه أشخاص من أجناس وجنسيات وأعراق وأديان وآراء ومعتقدات مغايرة، وكلمة عداء تأتي في كثير من الأحيان مرادفة لكلمة عنصري.
وللتحقّق من أن هناك فرقًا بين “الكراهية” و”الفوبيا”، أجرى عالم النفس البلجيكي باسكال دو ساتر دراستين منفصلتين إحداهما على الفئران، حيث تمّ تعريضها لمشاهد عنف، والثانية على قردة جرى وضعها على مقربة من مجموعة من الثعابين، فتبيّن أن الفئران التي تعرّضت لمشاهد عدائية أصبحت أكثر سخطًا، في حين أنّه عندما جرى العمل على تدمير “المنطقة المركزية من اللوزة الدماغية” (المسؤولة عن الرهاب)، لدى القردة تضاءل خوفها بشكل ملحوظ من الثعابين.
من هنا فإنّ ما نسمعه ونراه في الإعلام من مشاهد عنف وصور قتلى ودمار وما يُبث من أخبار وتحليلات قد تساهم في تكوين سلوك عدائي عند المتلقي لأن كما يقول دو ساتر يطال “القاعدة الجانبية” للدماغ (المسؤولة عن الكراهية).
كثيرة هي المصطلحات التي باتت تستخدم بشكل خاطئ في الأعلام، سنكتفي هنا بالإشارة إلى ثلاثة:
”أوموفوبيا” أورهاب المثلية:
إنّ الترجمة الحرفية لهذا المصطلح تعني “الخوف من التشابه”، إلا أنّ معناه الحقيقي كما يشرحه دو ساتر هو “تخوّف الشخص من أن يكون هو نفسه أو أحد أفراد عائلته مثليًا، أي الخشية من فقدان وضعية الرجل المهيمن الذكوري ليصبح المثلي المزدوج الذي يُحتَقَر ويُهان”، من هنا لا بدّ من التمييز بين “العداء للمثلية” أي كره الأشخاص المثليين وبين رهاب المثلية كحالة”.
ثانيًا: الإكزونوفوبيا أو رهاب الأجانب:
وفقًا لـ دو ساتر، “إنّ الشخص الكاره للأجانب هو الشخص الذي يكنّ الخوف والعداء والتنمّر تجاه شخص مختلف عنه و”رهاب الأجانب” يختلف بشكل كبير عن العنصرية، التي هي مستندة إلى مشاعر متنوّعة جدًا، مثل الغيرة أو الحقد أو الفوقية والتي لا صلة لها بالخوف أو الهلع”.
ثالثًا: إسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام):
يقول دو ساتر “إن هذا المصطلح المنتشر اليوم بصورة واسعة في الغرب لا يعني بدقّة الخوف من الإسلام، لأنه تحوّل إلى كراهية ويحمل الكثير من التعصّب والعنصرية والعدائية والتمييز تجاه العرب عامة والمسلمين خاصة، فبحجة محاربة دين معين تهاجم مجموعة عرقية بأكملها، من هنا لا يمكن اعتبار العداء للإسلام فوبيا، إنما كراهية وخوف”.
وعليه إذا كان أفضل علاج للـ “فوبيا” هو العلاج النفسي مترافقًا مع بعض الأدوية والعقاقير وإقناع المريض أن الحياة لا تنحصر على ذلك الرهاب، فإنّ مسؤولية علاج الكراهية تقع على عاتق الإعلام من خلال الابتعاد عن الترويج لخطاب التمييز والعنصرية وتسفيه الأديان السماوية والحضّ على صراعات وحروب أقل ما يقال عنها أنها قد تكون عبثية.