"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

الأب بيار يحسد من قبره منصور لبكي.."اللبنانية" كثقافة تناصر رجال الدين على الضحايا!

كريستين نمر
السبت، 19 أبريل 2025

الأب بيار يحسد من قبره  منصور لبكي.."اللبنانية" كثقافة تناصر رجال الدين على الضحايا!

عاد الأب منصور لبكي (٨٥ سنة) إلى الواجهة الإعلامية بقوة في الأيام القليلة الماضية من خلال مقابلات مكتوبة ومرئية بعد أكثر من عقد من الغياب، هو الذي رمت عليه الكنيسة الحرم الكهنوتي وجرّدته من نذوره، بعدما أدانته محكمة فرنسية عام ٢٠٢١ بجرائم اغتصاب يتامى قاصرات، من بينهن سيليست عقيقي، ابنة شقيقة منصور لبكي. وكانت هذه الفتيات من بين نزيلات الميتم الذي كان يرعاه في فرنسا خلال الحرب اللبنانية. الفاتيكان قبل المحكمة الفرنسية كان قد حكم عليه في العام ٢٠١٢ بـ”حياة عزلة وصلاة وتكفير عن الذنب”.

ولأنّ في لبنان كما العديد من المجتمعات، تحرص الغالبية على تضخيم مكانة رجال الدين، من أي طائفة كانوا، فقد علت أصوات كثيرة حينها محاولة تبرئة صفحة لبكي وتنقية صورته، حتى إنّ الكنيسة المارونية اللبنانية قررت عدم تسليمه، وجلّ ما طلبته منه أن يصمت ويصلي، ولا يعاود الظهور العام، لا بل في آذار/ مارس ٢٠١٨ دافع عنه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي نفسه، علنًا، متهمًا بأن ما يحصل هو “حملة افتراء”، قبل أن يتراجع بعد بضعة أيام، بناءً على طلب من الفاتيكان.

ما يلفت الانتباه في أحدث المقابلات مع لبكي، هو أنّه في إحدى اللقاءات المصوّرة التي يتم عرضها على إحدى منصات مواقع التواصل الاجتماعي، أصرت الإعلامية التي تحاوره على مناداة الأب لبكي ب “بيي” (والدي بالعامية)، إذ لا يحق لها أن تناديه ب”أبونا” بعدما جرّدته الكنيسة من ألقابه الكهنوتية.

وحاول لبكي في مقابلاته استخدام لغة روحية مُتلاعبة، مستفيدًا من إتقانه للغة العربية، هو صاحب مؤلفات وتراتيل مريمية وميلادية، إضافة إلى الكثير من الكتب، كما حرص أن يظهر بمظهر المسيحي الذي “يغفر لكل من أخطأ وأساء إليه”.

كذلك بدا لبكي، مسيطرًا على محاوريه والإيقاع بهم تحت تأثيره، قد يكون ذلك بفعل الكاريزما التي يتميّز بها. إلا أنّ اللافت هو عدم إظهار لبكي أي توبة، بل على العكس، حاول أن يُظهر نفسه كضحية “لمؤامرة مدبّرة من زملائه الحاسدين الذين أرادوا الإيقاع به” كما يقول، ويروي أن والدته (الذي حلف برحمتها أكثر من مرة لتأكيد مظلوميته وبراءته)، وبناء على رؤية جاءتها في المنام عند دخوله سلك الكهنوت، كما يقول، حذرته من أنه سيواجه الكثير من المتربّصين والحاسدين وستحاك المؤامرات للإيقاع به، كما تطرّق إلى حياته التي “أمضاها متعاليًا عن الملذات الأرضية، مكرّسًا نفسه لخدمة الكنيسة وأبناء وطنه، من دون أن يستفيد بليرة واحدة لنفسه” كما يقول، ويتابع: “لم أكتب بإسمي شيئًا من المؤسسات التي ساهمت في تأسيسها” يقول، ويصرّ على “أن الكنيسة ظلمته، كما ظلمت العديد من القديسين قبله”، مستشهدًا بشفيعه القديس بادري بيو الذي اتهمه البابا “كوشون” بممارسة الجنس في كرسي الاعتراف قبل أن تُبرّئه الكنيسة وتعلن قداسته، وكأنه يتوقّع لذاته المصير نفسه.

بالطبع، من حقّ البكّي أن يستغلّ الفرصة ليعود إلى الواجهة، مدافعًا عن نفسه، وساعيًا إلى استعادة شيءٍ من الاعتبار الذي فقده، لكن ما لا يبدو طبيعيًا هو سعي بعض الصحافيين إلى تصويره وكأنه فوق الشبهات، إلى حدّ أنّ أحدهم تقصّد نشر مقابلته بالتزامن مع يوم الجمعة العظيمة، في إيحاء واضح بأن ما تعرّض له يُشبه صلب المسيح، في مبالغة لا تخلو من استغلال رمزي غير مبرَّر.

إنّ ظاهرة تضخيم مكانة رجال الدين وتقديسهم في العالم العربي عمومًا، وفي لبنان بشكل خاص، هي جزء من الثقافة الاجتماعية والدينية السائدة، إذ يُنظر إليهم، كمرجعية لا تُمسّ، وفوق المحاسبة والنقد والشبهات، ما يتناقض بشكل واضح مع ما نشهده في العديد من الدول الغربية، حيث يُعامل رجال الدين كمواطنين عاديين أمام القانون والرأي العام، ولا يُعفَون من المحاسبة أو المساءلة، خصوصًا في حال تورّطهم في قضايا أخلاقية، وهذا ما شهدناه مؤخرًا في فرنسا مع الأب بيار، وهو من الشخصيات الكنسية البارزة في تاريخ فرنسا الحديث، ومؤسّس جمعية “إيمايوس” التي تُعنى بالفقراء والمشرّدين، فعلى الرغم من تاريخه الطويل في العمل الخيري والاجتماعي، لم تتردّد وسائل الإعلام والهيئات الرسمية في التفاعل بجدية مع الاتهامات التي وُجّهت إليه بالتحرّش الجنسي، حتى بعد وفاته، وقد أدّت هذه الضجّة إلى تغيير أسماء المؤسسات التي أسّسها أو كانت تحمل اسمه، في خطوة تعبّر عن رفض أي محاولة لتبرير الأفعال المسيئة أو تجاهلها لمجرد أنّ المتهم رجل دين أو صاحب تاريخ عريق.

قد يجعلنا هذا التعامل الصارم في الغرب نشعر بشيء من الغيرة من النضج الذي يعكس تبلورًا في الوعي المدني لديهم، حيث لا تُمنح الحصانة الرمزية لأي شخص مهما علا شأنه، بينما في مجتمعاتنا العربية، ما زالت القداسة الاجتماعية تُلبَس لرجال الدين تلقائيًا، وغالبًا ما تُستخدم كسلاح لردع النقد أو إسكات أي صوت يُشكّك بسلوكهم أو مواقفهم أو أي سلوك يعيد للضحايا شيئا من حقوقهم.

لماذا هذا الفرق في التعاطي؟

يربط علماء الاجتماع ذلك بالعوامل الآتية:

  • تشابك الدين بالهوية: في مجتمعات متعدّدة الطوائف، يُختزل رجل الدين كممثل للجماعة بأكملها.

ضعف الدولة ومؤسساتها المدنية: ما يجعل المرجعيات الدينية ملاذًا روحيًا واجتماعيًا

التربية: وما تلعبه من دور كبير، إذ ينمو الأفراد على تقديس رجل الدين وعدم مناقشته واعتباره ككائن فوقي لا يُمس، خاصة في أوساط البسطاء، مما يُكرّس غياب المساءلة ويُصعّب أي محاولة لنقده أو تقويمه.

وإذا كان لا بدّ من احترام رجال الدين ودورهم الروحي، فلا ينبغي أن يتحوّل هذا الاحترام إلى حصانة مطلقة أو عباءة حصانة تتيح لهم التهرّب من المحاسبة، فمجتمع لا يُخضع سلطاته للمساءلة، مهما كان شكلها أو مصدرها، هو مجتمع يُفرّط بمقوّمات العدالة، ويُهدّد منظومته الأخلاقية والقيم التي يدّعي الدفاع عنها.

المقال السابق
السفير الإيراني "البايجري" يدافع عن سلاح "حزب الله"
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

الكفن المقدس".. هل حسم العلماء أصالته وارتباطه بالمسيح؟"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية