كان على السياسيّين اللبنانيّين بدل أن يقفوا في الصف يستمعون في قصر الصنوبر الى السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، أن يجدوا أوّل حفرة ويطمروا أنفسهم فيها، وكان على المدعوّين المدنيّين الذين لبسوا “ثياب العيد” أن يضربوا من بقي واقفًا من هؤلاء السياسيّين بينهم بالكؤوس التي كانوا يمكسون بها.
ما قالته غريو، في خطاب هو الأخير لها في منصبها الحالي قبل أن تنتقل الى بلادها لتتسلّم منصب مديرة دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، فهو، بكل المعايير، مهين للطبقة السياسية اللبنانيّة عمومًا وللطبقة الحاكمة خصوصًا.
ولقد حاول جميع المعنيّين بكلام السفيرة الفرنسيّة أن يتنساه مفضلًا إبقاء الأضواء مسلطة على “فهم تزويري” أو ” تفسير مغلوط” لقرار البرلمان الأوروبي بالشق المتعلق باللاجئين السوريين في لبنان، علمًا أنّ ما قالته السفيرة الفرنسيّة أخطر بكل المقاييس من أي كلام قيل سابقًأ.
لقد نعت غاريو الإقتصاد اللبناني ونسبت ما سمّته بالإستقرار الخادع الى “عمليات تبييض الأموال والجريمة المنظمة التي تنتشر في كافة أنحاء المشرق، بدفع من سوريا التي أصبحت دولة مخدّرات”. ومن ثمّ تحدّثت عن هجرة الشباب التي وصفتها بالبتر ” لأنّهم ضاقوا ذرعاً بأن تتمّ التضحية بهم على مذبح الإبقاء على نظام غير قادر على أن يتجددّ.”
وإذ سلّطت الضوء على “الإستخفاف والزبائنيّة والإتجار غير المشروع والفساد” في لبنان، جالت على مخاوف اللبنانيين على اختلافها لتتوقف عند ” الخوف من عدم العثور على الدواء لفردٍ من العائلة مصاب بالسرطان والخوف من عدم التمكّن من تسديد قسط ولدٍ في المدرسة أو من تأمين القوت له”.
ثم وصلت الى “بيت القصيد” في كلمتها عندما تخيّلت ما كانت عليه وضعية لبنان لولا الدور الفرنسي، على مستوى إيجاد موقع للبنان على خارطة الإهتمام الإقليمي والدولي، وعلى مستوى القوى العسكرية والأجهزة الأمنية، والإقتصاد والقطاعات التربوية والإستشفائية وبرامج الأمن الغذائي والحفاظ على مساحات لحريّة التعبير والإبتكار والنقاش واللقاء عبر إعادة إطلاق مهرجانات الكتاب والسينما والموسيقى في جميع أنحاء لبنان.
لقد اختصرت غريو في كلمتها كلّ شيء. لقد أعلنت أنّ بلادها هي التي أبقت لبنان “حيًّا” في وقت نسبت كل الموبقات الى الطبقة السياسية عمومًا والمجموعة الحاكمة خصوصًأ.
وعلى الرغم ممّا قالته لم يفقد واحد من هؤلاء السياسيّين الذين احتشدوا تحت منصّتها الخطابية ابتسامته أو ماء وجهه!
إنّه العار!