علي حمادة
تشكل الذريعة التي يقدمها “حزب الله” تبريراً لخوضه حرب “المشاغلة” بأنها من أجل منع إسرائيل من شنّ عدوان كبير على لبنان أساس الدعاية السياسية التي يسوّقها لجمهوره. فوجهة الدعاية هي جمهور “حزب الله” وليست الجمهور اللبناني في البيئات الأخرى التي تعرف قيادة الحزب المذكور أنها محصنة بشكل كامل بوجه بروباغندا ما يسمّى مقاومة. وفي الإطار نفسه وعلى الرغم من كل محاولات الحزب لاختراق ضمير ووجدان البيئة السنية بوسائل عدة ومنها تشجيع “الجماعة الإسلامية” على تنشيط جناحها العسكري تحت عنوان مساندة غزة وشقيقتها الفلسطينية “حماس”، فإن البيئة السنية تبقى عموماً محصّنة بوجه “حزب الله” الذي يحاول أن يتصرف إسلامياً كما تتصرف جماعة “الحشد الشعبي” في العراق مع المكون السنّي المقموع والمقهور على أكثر من صعيد. في لبنان تختلف المعادلة، وقوة “حزب الله” العسكرية غير كافية لكي يضطهد السنة كما يفعل أقرانه من الفصائل الولائية في العراق. وهنا قد تكون تركيبة لبنان الطائفية والمذهبية وتكوينه التاريخي والثقافي أفضل حماية لسائر البيئات المهددة في هذه المرحلة في وجودها وأمنها واستقرارها. ولذلك يجد “حزب الله” أمامه سداً طائفياً ومذهبياً منيعاً يسقط كل سردياته حول “المقاومة”، وأيضاً حول حرب “المشاغلة” التي تورّط فيها وورّط معه بيئته مباشرة، وبقية البيئات بشكل غير مباشر. فبعدما أعلن تورّطه مباشرة بعد عملية “طوفان الأقصى” بحجة مساندة قطاع غزة وحركة “حماس” والفصائل التي تقاتل الإسرائيليين صار اليوم يقاتل تحت شعار الحرب الاستباقية لمنع اجتياح لبنان. ولكن اللافت أن الحزب المشار إليه كان يقدم نفسه وعبر خطب أمينه العام قوة عظمى في المنطقة، لكنه تحوّل من فعل الهجوم في بديات حرب “المشاغلة” الى حالة الدفاع، وذلك بكلفة نسبية عالية جداً على جناحه العسكري وعلى بيئته الحاضنة التي لا يعرف أحد من خارجها تماماً ما الذي يعتمل في نفوس أفرادها المعنيين بما يحصل في منطقة الجنوب. فما من شك في أن ثمة نواة صلبة ملتصقة بالحزب المذكور، ومعها رأي عام واسع مؤيّد عموماً. لكن من المحتمل جداً أن رأياً عاماً من خارج الإطار الحزبي الضيّق بدأ بطرح الأسئلة الصعبة نظراً لفداحة الموقف الذي لم تعد بروباغندا الحزب قادرة على تزيينه كما درجت العادة.
اللافت أيضاً اليوم وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على عملية “طوفان الاقصى”، أن بنك الأهداف الإسرائيلي يتوسع ضمن دائرة المقاتلين والكوادر العسكرية أو شبه العسكرية. وقد وصل الأمر الى حدّ مراقبة مناطق بعيدة جداً عن الحدود، بما يشير الى إمكان تنفيذ إسرائيل عمليات اغتيال في مناطق تقع شمال طريق دمشق الدولي.
إنها المرة الأولى التي يجدر أن تشعر فيها قيادة “حزب الله” بأنها تخوض حرباً محدودة منخفضة الوتيرة والعنف، لكنها على المدى البعيد ستكون مكلفة جداً. وقد أثبتت الأحداث أن الرهان على حرب قصيرة في غزة قد سقط، تماماً مثلما سقط الرهان على قدرة “حزب الله” على فرض قواعد اشتباك قسرية على الإسرائيلي. ولعل تعثر مفاوضات الهدنة في غزة، قد فوّت على الحزب المشار إليه فرصة الخروج بحفظ ماء الوجه من المستنقع الذي أوقع نفسه وبيئته فيه. لكن السؤال لمن صادر قرار الحرب والسلم: ألا يستحق الأمر قراراً شجاعاً بوقف النزف؟
النهار