يسرائيل زيف- قناة 12
تشهد إسرائيل أزمة سياسية عميقة مع الولايات المتحدة لم يسبق أن مرّت بها في الماضي، لا في سنة 2015، خلال المواجهة بشأن الموضوع النووي بين نتنياهو وإدارة أوباما، ولا في أزمة العلاقات بين كيسنجر وغولدا مئير، خلال حرب الغفران في سنة 1973، ولا لدى فرض قيود على السلاح في سنة 1948. وما يجري ليس جدلاً بشأن طريقة العمل، بل أزمة ثقة كبيرة بين الرئيس الأميركي وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية.
إدارة بايدن التي قرأت بصورة صحيحة ما جرى في 7 أكتوبر، وقفت فوراً إلى جانب إسرائيل، فأرسلت حاملتَي طائرات، وحذّرت حزب الله وإيران بصورة لجمت ألسنة اللهب في مواجهة إسرائيل. كما أخذت أميركا مهمة التصدي لجبهة الحوثيين على عاتقها، فوضعت طائراتها للدفاع عن إسرائيل في مواجهة الهجوم الإيراني في 14 نيسان/أبريل. هيئة الأركان العامة والقيادة الوسطى الأميركية، كانتا في إسرائيل على الدوام منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، ونشأت التزامات وعلاقات غير مسبوقة بين رئيس الأركان ووزير الدفاع يوآف غالانت والقيادة العسكرية الأميركية.
ووصل إلى إسرائيل جسر جوي مع إمداد مستمر بالذخيرة. على المستوى السياسي، دافعت الولايات المتحدة عن إسرائيل في الأمم المتحدة، وفي محكمة لاهاي الدولية، وقاتلت بشراسة من أجل استعادة المخطوفين من مواطنيها. ومؤخراً، خصصت الإدارة ميزانية 14 مليار دولار، ومن أجل إسرائيل، يخاطر بايدن بحملته الانتخابية.
كل ما طلبه الأميركيون في مقابل ذلك، هو أن تتجنب إسرائيل قتل غير الضالعين في القتال خلال الحرب. وعدم المسّ بالمساعدات الإنسانية التي استخفت بها إسرائيل. وعندما رأى الأميركيون أن ليس لدى إسرائيل أيّ خطة استراتيجية للحل في غزة في “اليوم التالي للحرب”، اقترحت الولايات المتحدة على إسرائيل خطة سياسية تتضمن ضمانات، لكن إسرائيل تجاهلتها، وللدقة، لم تناقشها… على الرغم من الدعم الأميركي، لم يشكر نتنياهو، علناً، الولايات المتحدة والائتلاف الذي هبّ للدفاع عن إسرائيل، وهو يتعامل مع الدعم الأميركي كأنه بديهي وواجب…
إن جوهر الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة هو عدم الثقة المطلقة برئيس الحكومة نتنياهو الذي يعتبره الأميركيون خطراً على مصالحهم، وعلى أمن إسرائيل بحد ذاتها. وهذه المشكلة أكبر بكثير من رفح، وتهدد استقرار العلاقات، وتقوّض أمننا القومي. إن وقف تصدير السلاح التي تحتاج إليه إسرائيل للمحافظة على قوتها، هو فقط إحدى المشكلات. فالأزمة تُلحق الضرر بردعنا، وتشجع حزب الله وإيران على الاعتقاد أن إسرائيل ضعيفة، وتؤذي صورتنا الدولية، وتُلحق الضرر بمكونات الأمن القومي، وبالحصانة الاقتصادية التي تعاني جرّاء وضع صعب.
إن العمى السياسي الذي تعانيه الحكومة طوال الحرب، ولا سيما الآن، بعد وقوعها في قبضة بن غفير وسموتريتش اللذين يمنعان التوصل إلى حلّ سياسي في غزة، يجعل إسرائيل تغرق في الوحل الغزّي. وعلى الرغم من احتقار نتنياهو لهما، فإنه يخاف منهما، وغير قادر على التفكير المنطقي المطلوب. إن عدم قدرة رئيس الحكومة على اتخاذ القرارات أدى إلى خسارة إسرائيل كل أدوات الضغط التي تملكها.
بدلاً من مواجهة الحقيقة، بنى رئيس الحكومة حوله نظرية منفصلة عن الواقع، بحجة أن بايدن ضعيف، ولا يعارض كل ما تريده إسرائيل، وكل ما هو مطلوب المماطلة نصف سنة حتى يُستبدل، ومحاولة التمسك بواقع وهمي، مفاده أن الحرب مستمرة، على الرغم من أنها انتهت منذ وقت…
الإدارة السياسية الفاشلة حولت إسرائيل، في نظر العالم، إلى “بلطجي خطِر لا يمكن السيطرة عليه”، وسكّير ضيّع طريقه، ويضرب كل مَن يقف في وجهه. دول العالم كلها ابتعدت عنا، حتى الولايات المتحدة أيضاً، العمود الفقري لإسرائيل، فهي توشك على منع إسرائيل من استخدام سلاحها، الأمر الذي سيعرّض هذه الأخيرة لخطر وجودي حقيقي…
لم يعد بايدن يصدّق نتنياهو، ولا يصدق اعتباراته، ولا يؤمن بقدرة إسرائيل، بزعامة نتنياهو، على الانتصار على “حماس”، ويعتبر العملية في رفح كارثة ستلحق بالولايا ت المتحدة وإسرائيل، واتخذ قراراً صعباً كي يعترف بفشل إسرائيل في القضاء على “حماس”، واستمرار وجود هذا التنظيم “الإرهابي”. لقد قرر، بدلاً من نتنياهو، بذل كل شيء من أجل إعادة المخطوفين ومنع احتلال رفح، وبهذه الطريقة، أعطى ضمانات للمحافظة على “حماس”، لقد فرض على إسرائيل، فعلياً، إنهاء الحرب. الاتفاق الإقليمي مع السعودية أصبح ثنائياً، وبقيت إسرائيل خارجه، الأمر الذي ألحق ضرراً استراتيجياً كبيراً بمستقبل أمن إسرائيل.
السنوار الذي فشل عسكرياً، رجحت كفّته، بعد أن حصل على شهادة تأمين من نتنياهو وسموتريتش على طبق من فضة، ونجح سياسياً في تحويل الإنجاز العسكري للجيش الإسرائيلي إلى هزيمة سياسية لإسرائيل. “المخربون”، في أغلبيتهم، خرجوا من القطاع، ولم يبقَ لإسرائيل ضمانات بشأن إنهاء الحرب في الشمال، الأمر الذي يفهمه نصر الله، و يصعّد بسببه.
أمام إسرائيل فرصة أخيرة للتغيير، وأن تطرح، الآن، حلاً سياسياً يوافق عليه كلٌّ من الولايات المتحدة ومصر والدول العربية البراغماتية، والدخول في صفقة مخطوفين، وبذلك تحوّل الهزيمة إلى إنجاز كبير. لكن الخطوة الأولى ليست حيال “حماس”، بل أن يستجمع نتنياهو الشجاعة المطلوبة لمواجهة وزيرَيه المتطرفَّين. ومن دون ذلك، ستبقى “حماس”، وستضطر إسرائيل إلى إنهاء الحرب. القرار واضح، فإمّا بن غفير والهزيمة، وإمّا انتصار إسرائيل في الحرب.