"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

ماذا يريد "حزب الله" أن يقّدّم لبنان للنظام السوري.. أكثر؟

فارس خشّان
الثلاثاء، 18 أبريل 2023

ماذا يريد "حزب الله" أن يقّدّم لبنان للنظام السوري.. أكثر؟

منذ أيّام، فتح “حزب الله” جبهة دعائية جديدة في لبنان، واكبت الإعلان الرسمي عن “الفلتان المنظّم” للجنوب. هذه الجبهة الدعائية تحمل عنوان: وجوب إعادة العلاقات مع سوريا!

وقال النائب حسن فضل الله: “دعونا مرارًا المسؤولين والقوى السياسية في لبنان إلى أن يغتنموا الفرصة ويسارعوا إلى فتح العلاقة المباشرة مع سوريا والاستفادة منها، لأنّها رئة لبنان، فواحدة من الحلول لأزماتنا المالية والاقتصادية هي الانفتاح على سوريا والعلاقات الأخوية معها وعدم انتظار القرارات الخارجية، واليوم ونتيجة التحولات في المنطقة، نرى أن أغلب الدول العربية تسارع إلى إعادة العلاقات مع سوريا، وتعمل على فتح الخطوط الجوية والسفارات، ولكن ماذا ينتظرون في لبنان؟ البعض كان يتحجج بالموقف العربي، واليوم تغير الموقف العربي، ولذلك على المسؤولين المعنين في لبنان أن “يلحقوا حالهم”، وأن تسارع الدولة اللبنانية لإعادة العلاقات مع سوريا”.

وقال عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق إنّ “أكثر دولة عربية بحاجة إلى العلاقات مع سوريا هو لبنان، وأكثر دولة عربية مستفيدة من العلاقات مع سوريا هو لبنان الذي يتأخر عن إعادة العلاقات مع سوريا، لأن هناك من في لبنان من يضحي بالمصالح الوطنية والوطن استرضاء لأميركا”.

ومن يقرأ خطابات الناطقين باسم “حزب الله الذين قدّمنا عيّنة منهم، يظن، لوهلة، أنّ العلاقات اللبنانية-السوريّة مقطوعة، وهناك سلطة قائمة ترفض “لمّ الشمل”، فهل هذا صحيح؟

بطبيعة الحال، هذا الكلام الدعائي من دون مضمون فعلي، فالعلاقات الدبلوماسيّة بين لبنان وسوريا، لم تنقطع يومًا، فهي مستقرة، منذ نشأتها ولم تتأثر لا بجرائم النظام السوري ولا بالمقاطعة العربيّة شبه الشاملة، كما أنّ التواصل بين لبنان الرسمي والنظام السوري، لم يتوقف، يومًا، إلّا لفترة وجيزة، وبسبب رئيسه بشّار الأسد الذي غضب من رئيس الجمهورية، في حينه، ميشال سليمان لأنّه وافق على توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، مستشار الأسد، وملاحقة رئيس المخابرات العسكرية السوريّة، في حينه، اللواء علي مملوك، بسبب تورطهما المثبت، بمخطط إرهابي كان يستهدف لبنان ووحدته وسلامة أبنائه.

ولقد رفع لبنان الرسمي، على امتداد ولاية الرئيس السابق ميشال عون عناوين كثيرة برّرت التواصل المستمر مع النظام السوري، بدءًا من تنظيم المعابر وصولًا إلى إعادة النازحين السوريّين، وجاهرت الأجهزة الأمنية اللبنانية على مختلف انتماءاتها، بالتنسيق الوثيق مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، ولم يخفِ المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم صلاته العميقة بالقيادة السوريّة، بتكليف من المرجعيات الدستورية اللبنانية وبرعاية لصيقة من “حزب الله”. أضف الى ذلك أنّ لبنان الرسمي، لم يتوقف يومًا عن المطالبة بعودة النظام السوري الى “جامعة الدول العربية”، لا بل في أحيان كثيرة كانت وزارة الخارجية اللبنانيّة رأس الحربة في هذا الملف الى جانب الجزائر.

ولكن هذا الإصرار اللبناني على إبقاء جسور التواصل قائمة مع النظام السوري، لم يُنتج شيئًا إيجابيًا، لأنّ قيادة الأسد أصرّت على استغلال لبنان، فهي طالما شجّعت، قبل الإنهيار وبعده، تهريب البضائع من لبنان إليها، بحيث كانت بيروت التي تستدين بفوائد خياليّة، تستورد لشعبين وليس لشعب واحد، كما بيّنت أرقام مصرف لبنان وسائر المؤسسات المالية المحليّة والدوليّة، ورفضت القيادة السوريّة أن تساهم في تخفيف أعباء النازحين عن لبنان حتى عندما توسّطت موسكو، وبيّنت التقارير الدوليّة أنّ النظام السوري كان يتقصد مضاعفة هذه الأعباء، من خلال إغراق ملف النازحين بالموالين.

ولم تفعل القيادة السورية ذلك وحيدة، بل كان “حزب الله” داعمها الأساسي في كل المصائب التي تسببت بها للبنان، تمامًا كما كان هذا الحزب نصيرها في سحل السوريّين الذين اصطفوا ضد النظام.

ووفقًا لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، فهو على تواصل مستمر مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد الذي ينتقل إلى الدول العربيّة من مطار رفيق الحريري الدولي، بحيث يتهاتفان، في الذهاب والإياب، وعندما تقتضي الحاجة يلتقيان، ولو بعيدًا من وسائل الإعلام.

إذن، وفي وقت لا توجد فيه علاقة يقيمها النظام السوري أو يسعى إلى إقامتها مع أيّ دولة عربيّة أخرى يمكن أن تصل الى ما هي عليه العلاقات الفعلية القائمة بينه وبين لبنان الرسمي، ما هي هذه العلاقات التي يطالب “حزب الله” الدولة اللبنانيّة “بأن تلحق نفسها” وتعيدها مع النظام السوري، وفق الحملة التي يتولّاها؟

لا جواب عن هذا السؤال، بل مجرّد تخمينات، فهل المطلوب، مثلًا، إعادة العلاقات اللبنانية-السوريّة الى ما كانت عليه قبل العام 2005، بحيث يعيد النظام السوري وصايته على لبنان؟ وهل المطلوب تسليم النظام السوري احتياطي مصرف لبنان من الذهب، بعدما تمّ القضاء على العملات الصعبة، للمساهمة في تمويل حربه على شعبه؟ وهل المطلوب وضع الشركات اللبنانية الناجية من الإنهيار، تحت رحمة العقوبات الأميركية والأوروبيّة، لتنفذ “اجندة” النظام السوري؟ أو المطلوب تسليم جميع الفرقاء بوصول رئيس للجمهوريّة تهمه شؤون سوريا أكثر ممّا تهمّه شجون لبنان؟

حتى تاريخه، ومن دون أي اكتراث بمصالح لبنان، قدّم “حزب الله” للنظام السوري كلّ إمكانات الدولة اللبنانيّة، فهو كبّد اللبنانيّين أثمانًا باهظة لقاء مشاركته بقمع الثورة السوريّة، وهو تورّط بأكبر عمليات نزوح الى لبنان، بعد تهجيره لسكان ريف دمشق وغيره، وهو شارك بتوفير الكميات الهائلة من حبوب الكبتاغون لإغراق الأسواق العربية والخليجية بها، وهو وضع المعابر غير النظامية في خدمة تهريب كل ما يحتاج اليه النظام السوري من مواد غذائية ونفيطة وأدوية، وخلافه!

عمليًّا، لم يبق في مقدور لبنان أن يقدّم للنظام السوري شيئًا، وبات العكس هو الصحيح إذ إنّ المطلوب، بدل أن يغرق “حزب الله” لبنان بحملة دعائية بلا مضمون، أن يساهم برد ضيم النظام السوري عن لبنان!

نشر في “النّهار العربي”

المقال السابق
البرلمان اللبناني يمدّد للبلديات في جلسة "كلكم عم تكذبوا على اللبنانيّين"

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

الطريق الى 7 تشرين...شارون يقمع الانتفاضة الثانية ويزيح عرفات

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية