حتى لو صحّت الرواية الرسميّة الخاصة بقتل منسق “القوات اللبنانية” في جبيل باسكال سليمان، ومفادها أنّه “ضحية الصدفة”، فإنّ المتورطين بالجريمة ينتمون الى عصابة منظمة تملك قدرات هائلة في التنقل بحرية مطلقة في لبنان وعبر معابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية- السوريّة.
ولكن، حتى هذه المعطيات، على الرغم من “خياليّتها”، يجري القفز فوقها للتركيز على ملف النازحين السوريين في لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يضع دماء باسكال سليمان على أيادي فريقه السياسي الذي طالما رفض أن يكون التطبيع الكامل مع النظام السوري هو ثمن “الحل المحتمل”!
إنّ ملف هؤلاء اللاجئين شائك جدًا، ويحتاج الى حل جذري، ولكن أن يتم استعماله كما لو كان هو “القاتل” فهذا ليس ظلمًا فحسب بل هو، قبل أيّ شيء آخر، تضليل!
في الجرائم المنظمة ذات البعد السياسي يكون التضليل هو جزء من التخطيط. في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان اللاجئون الفلسطينيون عمومًا والمتطرفون منهم خصوصًا هم “بيت القصيد”. وبعد ظهور ضعف حجة أحمد ابو عدس ظهرت نظرية “الحجاج الاوستراليين”. في قضية اغتيال سمير قصير تمّ نشر “فرقة الشائعات” لاتهام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. في قضية اغتيال جبران تويني تمّ “اختراع” رواية عن عصابة منظمة. في قضية اغتيال اللواء فرانسوا الحاج تمّ رمي المسؤولية على مجموعة متطرفة وكذلك الأمر في ملفات أخرى مثل اغتيال بيار الجميل ووليد عيدو وابنه. وانشغل التحقيق بمحاولة اغتيال مي شدياق بشائعات عن علاقاتها الخاصة.
وفي هذه الجرائم وغيرها الكثير كان الوعي يقف بالمرصاد لمخططات التضليل المحبوكة بدهاء.
في ملف باسكال سليمان يظهر أنّ هذا الوعي حاجة ملحة، لأنّ القبول برمي المسؤولية على ملف اللاجئين السوريين - وليس على عصابة سورية لها ارتباطاتها لدى أقوياء لبنان وسوريا- من شأنه أن يمنح القتلة الحقيقيين حرية الحركة في لبنان ضد أهدافهم.
لا نريد مسبقًا أن نحدّد هوية القتلة، ولكنّ المشكلة الكبرى تكمن في أن تتحوّل الوحشية التي تمّ التعامل بها مع باسكال سليمان، الى ترهيب جماعي، لأنّ قناعة كثيرين بأنّ القاتل المزعوم محمي، يدفع بالكثيرين الى التحسس من التعبير عن أفكارهم وآرائهم وقناعاتهم.