منذ ليل الجمعة – السبت الماضيين أطلقت إسرائيل العملية البرية، ويسميها البعض الاجتياح البري. سرعان ما تبين في الأيام الثلاثة التي تلت انها متدرجة وعلى مراحل. الأولى تمثلت بالحملة الجوية المهولة الدموية التي وجهها سلاح الجو الإسرائيلي ضد غزة بأهلها وفصائلها. المرحلة الثانية تمثلت بالتوغلات المتدرجة الاستشعارية الاستكشافية في الأطراف عند حدود القطاع الشمالية والشرقية وصولا الى الوسط. واليوم اتخذت طابعا أكثر جرأة بالتوغل عند القاطع الجنوبي لمدينة غزة وصولا الى طريق صلاح الدين الذي يصل الشمال بالجنوب. ويبدو انه تمّ قطع هذا الشريان في منتصف خط العرض لقطاع غزة. الهدف هو تقطيع اوصال غزة، وبدءًا من محاولة فصل المنطقة الشمالية تمامًا عن الوسط والجنوب. وانطلاقا من هنا محاصرة مدينة غزة والتضييق عليها تدريجيا بانتظار تنفيذ المرحلة الثالثة أي اقتحام المدينة.
إذن، نحن بإزاء تحول نوعي في المرحلة الإسرائيلية الثانية التي لا تزال في بداياتها. وحركة حماس ومعها الفصائل الأخرى لم تقل بعد كلمتها. ونتوقع قتالًا شرسا في الأيام القليلة المقبلة على تخوم مدينة غزة، ما ان تقترب المدرعات الإسرائيلية من المناطق المبنية التي تمثل حواجز كبيرة بوجه القوات المتقدمة. وثمة خطر كبير يلوح في الأفق عنوانه استدراج الفصائل للقوات الإسرائيلية الى حرب شوارع في المناطق المبنية، حتى لو دارت بين الركام. فضلًا عن ان شبكة “مترو غزة” أي الانفاق، كبيرة ومتشعبة، وتتفق معظم المصادر الدولية على ان إسرائيل لا تملك صورة كاملة عنها. وبالتالي فإنّ الحرب تنذر بأن تكون كلفتها البشرية بين الطرفين كبيرة جدًا.
وبما أنّنا بتنا في قلب الحملة البرية الإسرائيلية، ثمة سؤال يطرح: ما ستفعل إيران ووكلاءها في المنطقة؟ هل تتدخل إيران مباشرة؟ ام تدفع بوكلائها الى رفع وتيرة الاشتباك مع إسرائيل؟
لا أحد يعرف ماهية القرار الإيراني. لكن يتراءى لمعظم المراقبين ان إيران لن تتدخل مباشرة لاعتبارات عدة: أوّلها انّ التدخل ثمنه مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة من جهة، ومع إسرائيل التي لا تزال تتصرف كثور هائج من جهة اخرى. ثانيها ان الوكلاء في المنطقة يمكن دفعهم الى مشاغلة الاميركيين الى حد معين، وازعاج إسرائيل، ومحاولة ابتزاز الدول العربية المعتدلة. كل ذلك من اجل الفوز بوقف لإطلاق النار يسبق الاجتياح الكامل (إذا نجحت المرحلة الثانية)، سيصب في صالح حماس، والمحور الإيراني. لكن كلّما توغل الإسرائيليون في غزة ضاقت هوامش الإيرانيين. فهل يدفعون بأغلى ما يملكون في الإقليم من فصائل، عنينا “حزب الله”؟ هل يغامرون ب “جوهرة التاج” كما يقال؟ ويغامرون بلبنان القاعدة المتقدمة لنفوذهم في المشرق العربي؟
ان التصعيد المدروس الذي ينفذه “حزب الله” على الجبهة اللبنانية ينتظر قرارًا أو تكليفًا إيرانيًّا. ف”حزب الله” ليس بمقدوره وحده اتخاذ قرار بهذا الحجم والخطورة. القرار النهائي إيراني وقد تنجم عنه في حال اتخاذه مضاعفات خطيرة لعقود قادمة. وقد تخسر طهران ذراعها في لبنان المدمر بفعل حرب تخوضها إسرائيل بخلفية وجودية، وتدعمها فيها الولايات المتحدة والغرب لأسباب جيوسياسية عالمية.
استنتاجًا، و بصرف النظر عمّا يمكن أن يُدلي به الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله يوم الجمعة المقبل، من المؤكد أنّ الأخير و من خلفه مرجعيته الإقليمية يدرك خطورة الموقف وأبعاده ليس على لبنان او بيئته او تنظيمه فحسب، بل على مصير معادلة إقليمية كبرى دامت في شقها اللبناني من العام ٢٠٠٠ و لغاية اليوم، أيضًا.