كان زعيم حركة “حماس” يحيى السنوار ينتظر، في الأسابيع الأخيرة، “الفرج” المعقود على حرب إقليمية واسعة من شأنها إغراق الجيش الإسرائيلي في مواجهة حقيقية على سبع جبهات بقيادة “الجمهورية الإسلامية في إيران”. هكذا تقول التقارير الواردة من الدول التي تخوض مفاوضات، باسم “حماس” للتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
ولم يكن السنوار بعيدًا عن هذا “الحلم” عندما قاد في السابع من تشرين الأول “الإجتياح” الفلسطيني لغلاف غزة، تحت مسمّى “طوفان الأقصى”. كان “موعودًا” أو “متوهمًا” بأنّ “وحدة الساحات” التي وقف “الحرس الثوري الإيراني”، وراء إرسائها، تعني أنّ إيران ومعها “جبهة المقاومة” المنتشرة في لبنان وسوريا والعرا ق واليمن، سوف تسارع الى فتح حرب طاحنة على إسرائيل بمجرد أن يشنّ “الشيطان الأصغر” هجومًا على غزة، ممّا يؤدي الى تمكين “المقاومة الفلسطينية” في غزة من الصمود والتصدي فالإنتصار!
وفي الأسابيع التي تلت اغتيال كل من فؤاد شكر، في حارة حريك وإسماعيل هنية في طهران، عاد “الأمل” الى السنوار باقتراب “الحرب الشاملة”، الأمر الذي جعله يعود، مجددًا الى التشدد في مفاوضات وقف إطلاق النار، إلى درجة امتنع فيها عن إرسال وفد للمشاركة في هذه المفاوضات التي انعقدت، تباعًا في الدوحة والقاهرة، الأمر الذي ارتد سلبًا على صورة “حماس”، بحيث ساهم هذا السلوك المتشدد في إعادة التناغم القوي الى العلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
ولكنّ هذه الحرب لم تقع. “شركاؤه” في “محور المقاومة” لا يزالون يقدّمون “سلامتهم” على “مصلحة غزة”.
وفيما حرص “حزب الله” على إغلاق سريع ل”صفحة شكر” بعد هجومه “شبه العادي” على إسرائيل يوم الأحد الماضي، ويعود الى مستوى مواجهة “رفع العتب” التي يخوضها، بكلفة عالية على مقاتليه والبلد الذي يهيمن على قراره السيادي، منذ الثامن من تشرين الأوّل، تحت سقف “الصبر الإستراتيجي”، وجد السنوار أنّ إيران لا تكتفي فقط بإبعاد “كأس الحرب” عن فمها، بل تفتح الطريق لنفسها للعودة الى طا ولة المفاوضات الخاصة بملفها النووي، أيضًا.
ومع إجازة مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران للحكومة الجديدة بالذهاب الى مفاوضات مع “العدو الأميركي”، تهاوت “آمال” السنوار الذي تصرّ إسرائيل على التعامل معه على أساس أنّه “جثة متحركة”!
قد يكون هناك الكثير ليقال عن صوابية أو عدم صوابية هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول على غلاف غزة، ولكنّ الأكيد أنّ ما وضعه السنوار في ميزان حساباته لم يتطابق مع “الحصاد”. لم يكن يتخيّل أبدًا، وهو الذي أمضى التجربة بين المعتقل والأنفاق، أنّ “جبهة المقاومة” بقيادة إيران هي “جبهة انتهازية”. حكم على هؤلاء انطلاقًا من رؤيته لنفسه، كعقائدي صلب وقاس ومصمّم!
ما خدمته به إيران و”جبهة المقاومة” من خلال ضخ المعنويات في مقاتليه بأنّهم “ليسوا وحدهم”، دفع ثمنه غاليًا، بحيث مكّن إسرائيل من تقديم الأدلة للغرب والشرق أنّ غزة بقيادة السنوار ليست قضية فلسطينية بقدر ما هي جبهة متقدمة لإيران في المنطقة.
هو كان صامتًا على ما سبق أن سمّاه خالد مشعل بتلكؤ جبهات المساندة، على أساس أنّه مرحلة تمهيدية لا بد منها للحرب الشاملة الآتية، ولكنّه، في الأيّام القليلة الماضية، اكتشف أنّ الحقائق المرة التي أثارت غضب القياديين المخضرمين في تنظيمه هي حق ائق ثابتة، ف”حزب الله” و”الحوثيون” و”الحشد الشعبي” و النظام السوري، ليسوا لا على قدر شعاراتهم ولا على قدر تعهداتهم، بل هم جميعهم يعملون تحت سقف مصلحة إيران التي أعادت الى السلطة أصحاب شعار “إيران أوّلًا” حتى يعالجوا أمراضها المتفاقمة.
وليس السنوار وحده من اكتشف أنّ إيران تريد أن تستخدم “جبهة المقاومة” لقبض أثمان غالية على استمرارية نظامها، ولكن الفارق بين السنوار والآخرين، أنّه وضع شعبه وقطاعه في الجحيم، فيما الآخرون، ولو دفعوا الثمن، كما هي عليه حال “حزب الله” في لبنان، إلّا أنّهم قبضوا في مقابله مزيدًا من السطوة والنفوذ، على اعتبار أنّهم، من الناحية العقائدية، وُجدوا ليكونوا جزءًا من “الجمهورية الإسلامية الكبرى بقيادة الولي الفقيه”.
الأيّام القليلة المقبلة قد تسمح للسنوار بأن يقرأ، بشكل أعمق، ما يحصل، خصوصًا مع تجرؤ إسرائيل على فتح “حرب استباقية” في الضفة الغربية، ممّا يعينه، بمساعدة الدوحة والقاهرة، على اتخاذ قرار واقعي وجريء في آن، يهدف الى وضع حد للخسائر، لأنّ أحلامه التي عقدها على إيران و”جبهة المقاومة” أصبحت سلعة في البازار!