يعرف اللبنانيّون، منذ تجربة العام 2006، أنّ “حزب الله”، وبهاجس تحقيق مكاسب استراتيجيّة في الداخل اللبناني، يمكن أن يغامر في استدراج إسرائيل الى حرب طاحنة ومدمّرة.
وعلى بعد يوم واحد من الذكرى السنويّة لحرب تموز/ يوليو يستذكر اللبنانيّون الطريقة التي اعتمدها “حزب الله” لقلب الأوضاع اللبنانيّة رأسًا على عقب، إذ سرعان ما حوّل الحرب ضد إسرائيل الى حرب ضدّ القوى اللبنانيّة التي كانت قد أخذت السلطة بعمليّة ديموقراطيّة ( ثورة بيضاء وانتخابات) من النظام الأمني اللبناني السوري.
ولا تنبع إعادة تقييم ما حصل في 12 تموز/ يوليو 2006 من عبث، إذ إنّ الحديث عن حرب جديدة يطفو حاليًّا على سطح، في ظل خلق الأسباب التبريريّة لها من جانب “حزب الله” وإسرائيل.
ولا ينطلق هذا التقييم لاستغلال “حزب الله” المسألة الحدوديّة من “سوء نيّة” بل هو بات يستند إلى منظّري الحزب أنفسهم، مثل الشيخ صادق النابلسي الذي أطلّ قبل أيّام على إحدى قنوات التلفزيون في لبنان واعترف بالربط بين أهداف الحزب في الداخل اللبناني، من جهة وأيّ مواجهة مع إسرائيل، من جهة أخرى.
وقال النابلسي الذي لم ينكر “حزب الله” يومًا انتسابه إليه، على الرغم من مواقفه المثيرة للإشكالات دائمًا: “إذا لم نستطع بالحوار والتفاهم والمبادرات التوصّل الى صيغة معيّنة ننتخب من خلالها رئيسًا للجمهوريّة، قد تكون الحرب أفضل وسيلة لتغيير المعادلات”.
وردًّا على استنتاج الإعلامية التي حاورته عن أنّ هذا يعني أنّ “حزب الله” يريد من “الحركشة بإسرائيل” تغيير المعادلات في الداخل اللبناني، قال النابلسبي:” نحن نريد تغيير موازين القوى الجامدة والقاتلة في الداخل اللبناني”.
ومعروف أنّ “حزب الله”، على الرغم من الدعم الفرنسي الذي كان قد ناله لإيصال مرشّحه سليمان فرنجية الى الرئاسية اللبنانيّة، قد واجه معارضة لبنانية واسعة، إذ تبيّن أنّ غالبية اللبنانيّين، وإن لم يكونوا متّحدين في أمور كثيرة إلّا أنّ معارضة إملاءات “حزب الله” تجمعهم، وهو، في حال لم ينجح بقلب المعادلات، يخشى أن تتعقد أموره في لبنان، ويعود الى ما كانت عليه وضعيته، عشية ذهابه الى حرب مع إسرائيل في تموز/ يوليو 2006.
ويعتبر “حزب الله” أنّ الورقة الحدوديّة هي سلاحه الأقوى، ليس لأنّ المواجهة، سواء بقيت إعلامية أو تحوّلت الى عسكريّة، تعطيه منصة لتخوين كل من يقف في وجه مشاريعه، فحسب بل لأنّ إمكان تسخين الحالة الحدوديّة من شأنه تحريك المؤثّرين في المجتمع الدولي باتجاهه، أيضًا.
ولن يكون احتمال نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” هذه المرة مسألة عابرة، لأنّ الإهتمام بالغاز المتوافر في المنطقة البحريّة الإسرائيليّة وذاك المحتمل تواجده في المنطقة البحرية اللبنانيّة، حيث يبدأ الحفر خلال آب/ أغسطس المقبل، يستقطب المصالح الإقليمية والدولية.
ومنذ توقيع الإتفاق البحري الحدودي بين لبنان وإسرائيل، قدّم “حزب الله” نفسه ضامنًا لحسن التنفيذ، وطالب بتوفير ما يحتاج إليه من إمكانات على مستوى القرار الداخلي اللبناني، لإنجاح مهمّته.
وانطلاقًا من كل ذلك، يسبغ “حزب الله” على مرشّحه سليمان فرنجيّة صفات “الضمانة” له من جهة وللآخرين، في الداخل والخارج، من جهة أخرى.
ولكن، هل يستطيع “حزب الله” أن يذهب فعلًا الى الحرب؟
منطقيًّا، لا ، فالمعطيات الداخليّة والإقليميّة والدوليّة ليست مؤاتية.
وهو يستند في تصعيده الحالي إلى تقدير متوافر لديه بأنّ إسرائيل نفسها ليست مستعدة لحرب مماثلة، وهي كلّما توافرت لها، حجة، قدّمت تبريرات تعكس عدم رغبتها في حرب مماثلة.
ولكنّ “حزب الله” يحترف اللعب على حافة الهاوية، ولذلك هو يذهب في اتجاه المواجهة علّه يحصد أثمانًا يحتاج إليها في الداخل اللبناني، فتكريس همينته على رئاسة الجمهوريّة ليس قابلًا للمساومة، حتى تاريخه، وإرادة تفتيت “شبه الإجماع الوطني” ضد دوره مس ألة استراتيجيّة، وإفهام الخارج الذي ينشط في ملف الرئاسة، على تخوم عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، بأنّ أيّ ضغط على الحزب في الداخل من شأنه أن ينفجر على الحدود، حيث مصالح “توتال” من الناحية اللبنانية واحتياطات أوروبا الغازية من الناحية الإسرائيليّة، نقلة نوعية على رقعة الشطرنج.
نشر في “النّهار العربي”