"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

اغضبوا.. وعبّروا عن غيظكم!

كريستين نمر
الجمعة، 24 مارس 2023

كما يلجأ كثيرون، بعد تبني قطّة منزلية، إلى الطبيب البيطري، لتقليم أظافرها، بهدف المحافظة على أثاث منازلهم من مخالبها، في تغاضٍ، عن أنّ الطبيعة منحتها إياها للاصطياد والدفاع عن نفسها، فيحوّلونها متى دخلت إلى بيوتهم ل “لعبة” مدلّلة مهمتها إيناس وحدتهم، كذلك يحرص الأهل على السيطرة على غضب أطفالهم وإزالته من رؤوسهم لأنه برأيهم “دليل على سوء تربيتهم وقلّة تهذيبهم هذا عدا عن أنّه.. مفسد للأخلاق”.

ولكن لماذا يُحرّم الغضب؟ أليس هو تعبير عن الرفض والتمرّد في وجه الأفعال المؤذية والأقوال غير العادلة؟

كما يتخيّل الطفل الصغير أن الطاولة التي اصطدم رأسه بها، عدوٌ جاء ليعترض طريقه، كذلك يعتبر أنّ والده الذي نهاه عن الممنوعات، بمثابة طاغية.

تقول الاختصاصية في الطب النفسي كلود هالموس: ” يحتاج الطفل لتهدئة غضبه أن نشرح له أنّ المساحة التي يدور في فلكها تنطوي على المخاطر، وعليه تجنّبها، وهكذا يتطبّع على أنّ حدود تحرّكه وأفعاله، ليست سوى تطبيق بسيط للقانون العام “.

d201ba8 C0LkchkvoAf89YMV3CC-DfvR كلود هالموس

ولكن لماذا يُفسَّر الغضب على أنه شكل من أشكال العنف؟

غالبًا ما يُلام المرء الغاضب على أفعاله، حتى لو جاءت نتيجة سلوك استفزازي من المعتدي، فيُطالب بالسيطرة على غيظه وعدم الانغماس فيه، وتقول هالموس: “بعض الكلمات تكون أكثر تدميرًا مما تبدو عليه، كأن يقوم أحدهم بفتح جرح الطفولة، في هذه الحالة مثلًا، يكون الغضب مضاعفًا، بحيث يُزاد غضب المُتهجّم على غضب المتهجَّم عليه.

وتعتبر بعض الدراسات أنّ ردّ الفعل الغاضب ليس فقط طبيعيًا ومشروعًا إنما حيوي ومفيد أيضًا.

في تحقيق نشرته مجلة “لوموند” الفرنسيّة، روى أشخاص تجاربهم مع الغضب وكيف كان السبيل إلى انقاذهم.

وتفيد سيّدة بأنّها، عندما عادت إلى المنزل بمفردها في إحدى الأمسيات مع طفليها، نجت، بسبب غضبها، في إخافة الرجل المخمور الذي كان يتتبّعهم.

وتقول أخرى: “نادرًا ما أشعر بالغضب من الآخرين لأن تعاطفي معهم يمنعني من القيام بذلك، إلا أنّه عندما أخبرني زوجي فجأة أنه كان يخونني منذ مدة طويلة، وينوي الانفصال عني، إنتابتني موجة عارمة من الغضب، سمحت لي في ما بعد بحماية نفسي وتقويمها والوقوف بصلابة واستقامة في مواجهة الصدمة.”

وقد تعكس شهادة هذه السيّدة واقع هؤلاء الرجال والنساء الذين كانوا في مرحلتي طفولتهم ومراهقتهم، ضحايا لسوء المعاملة أو لتحرّشات واعتداءات جنسيّة، ولم يحاولوا الدفاع عن أنفسهم، فاكتشفوا أنهم لم يكونوا مقيّدين فقط بالقوة الحقيقية للمعتدي عليهم، إنما أيضًا بالعجز الذي شلّهم ومنعهم من التمرّد، ولو داخليًا على الأقل، ضد ما تعرّضوا له، فكبتهم لغضبهم أنتج جرحًا عميقًا سيطر عليهم ورافقهم طوال حياتهم.

كيف يؤثر كبت الغضب على حياة المرء؟

تقول كلود هالموس: “إذا أدركت الضحية في النهاية، خطورة ما عانت منه، وأن المعتدي عليها هو المسؤول الوحيد عما حصل لها، يمكنها حينها أن تشعر بالغضب تجاهه، الذي وحده يعيد تقديرها لذاتها.. ويحرّرها”.

وتضيف: ” أما في حال عدم النجاح، واستمرت في طمر الحقيقة أو رفضها، أو حمّلت نفسها، ولو جزئيًا مسؤولية ما حصل لها، تحوّل بذلك العدوانية التي يجب أن تكون تجاه مهاجمها، ضد نفسها، فاتهامها لذاتها والتقليل من شأنها، والتشكيك في صورتها، تقوّض رغبتها في الحياة فتغرق في كآبة وحزن من الصعب التخلّص منهما، فالغضب هنا يكون بمثابة المعالج الذي سيساعدها على الوقوف من جديد.

إذن، ما دام الغضب مفيدًا فهل يجب تعليمه للأطفال؟

تقول هالموس: ” ما نقوم به نحن كمعالجين هو تدريبهم على طريقة طرد الغضب منهم، بعيدًا عن التشابيه المبتذلة والصور الخارجة عن المألوف، من هنا، فالاستعانة بالتشابيه لتسهيل مهمة الفهم على الأطفال، غالبًا ما يكون له انعكاسات سلبية عليهم، فتشبيه الغضب بالبركان الذي إذا ثار ستدمّر حممه كل شيء حوله، يمكن أن يجعل الأطفال يعتقدون أن غضبهم، إذا تم التعبير عنه، يمكن أن يدمّر من حولهم”.

وتختم هالموس: “الغضب لا يُكتسب، إنما يُختبر، ويبقى الأهم في حال فقدان السيطرة على أنفسنا، عدم الشعور بالذنب إنما تدريب الذات بالتعبير عنه بطرق تراعي القوانين واحترام الآخرين، مع التشديد على أنّ العنف لا يقابل بالعنف بل.. بالحوار وتبادل الآراء”.

المقال السابق
"عين" اسرائيل على 30 برج مراقبة لـ"حزب الله"!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

بسبب علاقة زوجته بتايلور سويفت.. رئيس وزراء البريطاني في ورطة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية