"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

لبنان يطوي العصر الإيراني!

ابراهيم ناصر
الخميس، 28 نوفمبر 2024

لبنان يطوي العصر الإيراني!

انتهى العصر الفلسطيني في لبنان صيف ١٩٨٢ إثر خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد وصول قوات الجيش الإسرائيلي الى تخوم العاصمة اللبنانية ومحاصرتها زهاء ثلاثة أشهر. وبعد ما يزيد بقليل عن العقدين من الزمن ادّت مفاعيل اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في ١٤ شباط ٢٠٠٥ الى جلاء قوات نظام الأسد عن لبنان الى الحدود الدولية في نيسان من العام نفسه وانتهاء العصر السوري في بلاد الأرز. واليوم مع توقف الاعمال العسكرية بين إسرائيل وحزب الله بعد سريان مفعول وقف إطلاق النار والنهاية المبدئية للحرب التي امتدت ما يقارب الاربعة عشر شهرا بين الطرفين، هل يتهيأ لبنان لأفول العصر الإيراني ويدخل هذا البلد أخيرا مرحلة السيادة الحقيقية وقيام الدولة القوية راعية كل المكونات اللبنانية؟

ان الشروط التي توقف إطلاق النار على أساسها تعتبر بكل المقاييس هزيمة مكتملة الاوصاف لحزب الله ولإيران من خلفه على الساحة اللبنانية

ان الشروط التي توقف إطلاق النار على أساسها تعتبر بكل المقاييس هزيمة مكتملة الاوصاف لحزب الله ولإيران من خلفه على الساحة اللبنانية. فبعد ان أسقط الحزب خلال المفاوضات مبدأ تلازم الجبهة اللبنانية مع مثيلتها في غزة كشرط لوقف الحرب وداس بذلك على شعار وحدة الساحات ابتلع على لسان امينه العام الجديد شرطه الثاني المتمثّل بالامتناع عن التفاوض تحت النار ثم ما لبثت ان تدحرجت وتيرة التنازلات على وقع الضغط العسكري الإسرائيلي وتكرّست في بنود اتفاقية انهاء العمليات العسكرية التي فاوض ووافق عليها الحزب بواسطة وكيله الرئيس نبيه برّي. ما هي أبرز تلك التنازلات؟

انتقال المرجعية في الاشراف على وقف النار وتنفيذ بنود القرار ١٧٠١ من الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي لتوضع عمليا في عهدة لجنة خماسية برئاسة “الشيطان الأكبر” أي الولايات المتحدة الأميركية حليفة إسرائيل الموثوقة. ولم يكن خافيا ان توسيع اللجنة (كانت ثلاثية تضم لبنان وإسرائيل واليونيفل) جاء تلبية لمطالب الحكومة الإسرائيلية التي تعلن على الملأ تشكيكها الدائم بفاعلية الأمم المتحدة ومؤسساتها.

موافقة حزب الله على سحب مقاتليه واسلحته بشكل كامل من منطقة جنوب نهر الليطاني وقيام الجيش اللبناني بعد إتمام انتشاره في هذه المنطقة بتفكيك ما تبقى من منشآت عسكرية للحزب وذلك تحت الرقابة المشددة للجنة الخماسية واللجنة التقنية العسكرية والتي بدورها تضم الولايات المتحدة وفرنسا في عضويتها. كذلك أذعن حزب الله الى واقع بقاء الجيش الإسرائيلي على احتلاله لأجزاء من جنوب لبنان خلال فترة الشهرين الانتقالية بما يشبه الضمانة على حسن الالتزام بشروط وقف اطلاق النار واكتمال بناء كافة تدابير المراقبة التي تنص عليها الاتفاقية.

التهديد الإسرائيلي بضرب حزب الله سوف يظل مسلطا فوق رأسه وسيبقى الشعور بعدم الأمان مسيطرا على نفوس الجنوبيين توجسا من عدم امتثال الحزب لكافة شروط وقف إطلاق النار وما قد يستدعيه ذلك من ردود إسرائيلية

الإقرار بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والتي توضح ابعاده ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل التي يفترض ان يكون الرئيس برّي ومن ورائه حزب الله قد اطّلعا على مضمونها قبل الإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار. تعطي الورقة إسرائيل حق الردّ على أي تهديد مصدره الداخل اللبناني “وفقا للقانون الدولي” في أي وقت ودون ابلاغ أي طرف إذا كان التهديد ناتجا عن خرق للاتفاق في الجنوب اللبناني والاكتفاء بإعلام الولايات المتحدة إذا أمكن في حال كان الخرق على باقي الأراضي اللبنانية. كذلك تعطي الورقة الحق لإسرائيل بالقيام بطلعات جوية استطلاعية في الأجواء اللبنانية. أيضا تتضمن الورقة تعهد الولايات المتحدة الأميركية بتزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية المتعلقة بخرق الاتفاق او بكل ما يشير الى محاولات حزب الله اختراق صفوف الجيش اللبناني. يعني ذلك ان التهديد الإسرائيلي بضرب حزب الله سوف يظل مسلطا فوق رأسه وسيبقى الشعور بعدم الأمان مسيطرا على نفوس الجنوبيين توجسا من عدم امتثال الحزب لكافة شروط وقف إطلاق النار وما قد يستدعيه ذلك من ردود إسرائيلية.

موافقة حزب الله على اسقاط المطلب ـ الشعار الذي طالما رفعه الحزب والمتمثّل بتحرير تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والذي لم يأت الاتفاق على ذكره لا من قريب ولا من بعيد في أي من بنوده

موافقة حزب الله على اسقاط المطلب ـ الشعار الذي طالما رفعه الحزب والمتمثّل بتحرير تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والذي لم يأت الاتفاق على ذكره لا من قريب ولا من بعيد في أي من بنوده حيث اقتصر ما ذكر في هذا المجال على المباشرة وبرعاية أميركية على المعالجة التقنية لبعض الفروقات على الخط الأزرق وذلك بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

هل ما زال واقعيا الحديث عن إعادة إيران بناء قدرات حزب الله على ما كانت عليه سابقا والاحتفاظ بنفوذها في لبنان من خلاله على افتراض ان الجمهورية الإسلامية سوف تمضي في مثل هكذا قرار؟

مع كل تلك التنازلات الجوهرية التي تجرّد الحزب من العمود الفقري لما كان يقوم عليه دوره وهيبته فقد الحزب أيضا وبشكل نهائي مع نتائج هذه الحرب سردية الردع والحماية التي بناها على مدى سنين ورسّخها في عقول الكثير من اللبنانيين والجنوبيين خاصة، الذين يستفيقون الآن على هباء هذا الوهم امام هول الكارثة التي حاّت بهم في ظلّه. وبانتظار ما سترسو عليه التوازنات السياسية والأمنية الجديدة في لبنان وفي ظل غياب أي افق معلن وواضح حتى اللحظة لخطة تمويل إعادة اعمار ما تهدم سوف يظل مشهد الدمار ماثلا لفترة طويلة من الوقت لتذكير حزب الله بما جرّه من مآس على اللبنانيين في حرب عبثية لم يختاروا خوضها.

امام هذا المشهد المستجدّ هل ما زال واقعيا الحديث عن إعادة إيران بناء قدرات حزب الله على ما كانت عليه سابقا والاحتفاظ بنفوذها في لبنان من خلاله على افتراض ان الجمهورية الإسلامية سوف تمضي في مثل هكذا قرار؟

تخرج إيران من حرب لبنان وقد فقدت جلّ ما استثمرته سياسيا وماليا وعسكريا على مدى أربعة عقود في بناء قوة حزب الله وفي ترسيخ نفوذها على شاطئ المتوسط وعلى حدود إسرائيل. ما تبقى لها من دور في لبنان يتحضّر لحصار سوف يفرض بقيادة دولية. لن تكفي الموارد المالية وحدها وهي محدودة إيرانيا لاستعادة النفوذ والقوة. على مدى العقود الماضية استفادت إيران من ظروف مناسبة ومن ديناميات إيجابية ساعدتها للوصول بحزب الله الى اقصى قوته عشية السابع من تشرين ٢٠٢٣.

فخلال فترة التأسيس والتمكين الاولي للحزب وحتى الانسحاب الإسرائيلي عام ٢٠٠٠ اعتمدت إيران على وهج ثورتها في العالم الإسلامي وعلى شرعية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وطول امده وعلى حصرية اعمال المقاومة بمجموعات حزب الله دون غيره من المكونات اللبنانية التي جردت من سلاحها كما نص عليه اتفاق الطائف.

لا توحي النتائج الميدانية لحرب ٢٠٢٤ ولا الظروف المحيطة بانتهائها بديناميات مشابهة لتلك التي ادّت في السابق الى تعاظم النفود الإيراني في لبنان

ومن العام ٢٠٠٠ حتى ٢٠٠٦ اعتمد تعاظم قوة حزب الله على دينامية التحرير والانتصار. لم يؤد التحرير الى انتهاء المقاومة كما يفرض منطق الأمور. على العكس من ذلك تقاطعت المصالح الإيرانية السورية للإبقاء على التنظيم المسلح للحزب وتم نبش لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة لمواصلة المقاومة بغية تحريرها.

ثم جاءت الوثبة الثالثة للحزب والتي اوصلته الى قمة قوته بفعل الاستثمار الناجح لنتائج الحرب المحدودة التي شنتها إسرائيل ضده في تموز ٢٠٠٦ وتمكنّه من ملئ الفراغ الأمني الذي نشأ عن انسحاب القوات السورية قبل عام من هذه الحرب حيث فتحت له منذ ذلك الوقت أبواب الهيمنة على القرار اللبناني السيادي والاخضاع السياسي لكافة القوى اللبنانية الأخرى.

لا توحي النتائج الميدانية لحرب ٢٠٢٤ ولا الظروف المحيطة بانتهائها بديناميات مشابهة لتلك التي ادّت في السابق الى تعاظم النفود الإيراني في لبنان. فمن النادران تترافق الهزائم مع إعادة تعويم ابطالها. على العكس فهي غالبا ما تؤدي الى سقوطهم النهائي والتاريخ يشهد على ذلك.

المقال السابق
نتنياهو يهدد بعودة الحرب إذا لم يتم الإلتزام باتفاق وقف النار مع لبنان

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

"حزب الله" ليس ضمن معادلات العام 2006...حتمًا!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية