منذ السبت الأسود في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وعلى خلفية الإخفاق الاستخباراتي والفشل العملياتي الفظيعين في حماية بلدات “غلاف غزة”، يعيش الجيش، على وجه الخصوص، والمنظومة الأمنية عموماً، في حالة استعداد هجومي ودفاعي. ما يقلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فضلاً عن الاشتباكات على الحدود في الجنوب والشمال، هو الخوف من اندلاع انتفاضة فلسطينية مسلحة في الضفة الغربية، والتي قد تتدحرج بسرعة عبر الخط الأخضر [نحو فلسطينيي الـ48]. بناءً عليه، تركز الألوية التابعة لفرقة “يهودا والسامرة” جهودها للحؤول دون اشتعال الأرض، وهي تؤدي دور خط الدفاع الأول لمنع تحقُّق هذا السيناريو، وخصوصاً في هذه المرحلة المتوترة.
وعلى الرغم مما تقدم، ومن هذا الجهد الهائل الذي بُذل في الأيام التي تلت “المجزرة”، فإن ظاهرة واحدة بقيت من دون تغيير يُذكر، بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن سلّط عليها الضوء يوم الأربعاء: إنها السلوك العنيف الذي تمارسه مجموعات المستوطنين في الضفة الغربية. هذه المجموعات لا تهتم بعواقب أفعالها، بل إن بعضها قام بالتصعيد، وباتت هذه المجموعات تتصرف كما لو أنها دولة داخل الدولة، كأنها لا تهتم بالمواضيع التي تشغل بال الجمهور الإسرائيلي بصورة كبيرة، بل لعل العكس هو الصحيح.
من البديهي القول إن هذه التصرفات جرت وتم توثيقها قبل “المجزرة” أيضاً، وأنتم مدعوون إلى فحص ذلك بأنفسكم، لكن متابعة ما تقوم به هذه المجموعات منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تكشف أن لا جديد تحت الشمس بالنسبة إلى هذه المجموعات، على الرغم من الحرب. هناك مَن يستغلون الحالة المتمثلة في تركيز الاهتمام الأمني والإعلامي على الجنوب، لكي يواصلوا العمل، كما لو كانوا ميليشيات مسلحة، هدفها إيذاء الفلسطينيين، وهم يعلنون هدفهم الأسمى والواضح، ألا وهو سلب أراضي الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة من أماكن سكنهم. تستخدم هذه المجموعات إشعال الحرائق، والهجمات، والرشق بالحجارة، وحتى إطلاق الرصاص الحي.
بحسب منظمات وناشطين حقوقيين، تم توثيق أكثر من 100 حالة من هذا النوع في 60 موقعاً في الضفة الغربية بين 7 و22 تشرين الأول/أكتوبر. في بعض هذه الحالات، كان جنود الجيش الإسرائيلي يرافقون المهاجمين، وقد وقف الجنود جانباً، ولم يتدخلوا، ويشمل ذلك حالة تم توثيقها، يقوم خلالها يهودي بإطلاق الرصاص على فلسطيني، وهما يقفان تماماً أمام ناظري القوة العسكرية، وإلى جانبها. إن مقارنة هذه المعطيات بالمعطيات المسجلة خلال الشهر السابق، تُظهر أن أعداد الهجمات مماثلة، وكذلك أنماط العمل. وعلى الرغم من ذلك، فإن قيادة المستوطنين تتجاهل الأمر، وتواصل عدم إدانة هذه الأفعال بصورة علنية (وربما لا تدينها أصلاً).
هذه الأحداث تجبر الجيش الإسرائيلي على تخصيص موارده لمعالجة الظاهرة. فحتى 7 تشرين الأول/أكتوبر، انتشرت قوات عسكرية إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية، بينما الآن، تعاني فرقة “يهودا والسامرة” جرّاء نقص في القوات العسكرية بسبب الحرب، وبسبب الأولوية التي تعطيها لإحباط النشاط “الإرهابي”، إذ تمكنت فعلاً، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، من قتل أكثر من 70 “مخرباً” فلسطينياً في الضفة الغربية، وإصابة العشرات منهم بجروح، ونفّذت اعتقالات بحق المئات من الناشطين “الإرهابيين”.
نهج المستوطنين هذا، بالمناسبة، لا يقتصر أذاه على السكان. لقد توقفت الإدارة المدنية، ظاهرياً، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، عن هدم المنازل، لكن قيام المستوطنين بطرد العائلات الفلسطينية من منازلها، والذي بدأ قبل الأحداث، يستمر حتى في هذه الأيام، في ظل الحرب. لم يقُم الإعلام الإسرائيلي بتغطية هذه الأحداث في السابق، فكم بالأحرى اليوم، بينما تتكشف هذه الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي. فمثلاً، قام الفلسطينيون القاطنون في منطقة وادي السيق بحزم أمتعتهم، وتركوا منازلهم، قائلين إنهم يقومون بذلك نتيجة هجمات المستوطنين المتكررة.
إن فتح جبهة إضافية في الضفة الغربية هو سيناريو شديد الإشكالية، وتحقُّق هذا الأمر قد يكلفنا حياة الكثيرين. وهكذا، في ا لمنطقة التي من المفترض أن يركز الجيش الإسرائيلي جهوده فيها على “إحباط الإرهاب” والانتفاضة الفلسطينية، فهو مضطر إلى تخصيص قوات لمواجهة العنف اليهودي. هذا يُلحق الضرر بالأمن القومي، في وقت الحرب.
يديعوت أحرونوت