روزانا بو منصف
يختصر الوجه الآخر لما يحصل في جنوب الليطاني بعد شهرين على وقف النار بثلاثة أمور: أن العمل كبير جداً في المنطقة من حيث تلبية متطلبات بنود اتفاق وقف النار وتالياً هو لم ينته بعد، أن الجيش اللبناني يتحرك بمهنية واحترافية عالية جداً يشهد له الجانب الأميركي رئيس لجنة مراقبة وقف النار في الجنوب من دون تحفظ. والشيء المهم الآخر الذي يحرص الجانب الأميركي على تأكيده حول آلية عمل المكون الأميركي هو أن الولايات المتحدة وفرنسا موجودتان هنا في لبنان وليس في مكان آخر وليس في إسرائيل ولأنّ القدرة على جعل هذا العمل تتحقق من خلال التواصل مع القوات المسلحة اللبنانية. والأهم بالنسبة إليهم إنه أكثر من مجرد خطوة رمزية وهو طريقة مهمة لإظهار تعزيزهم إلى حد كبير ما تنفذه القوات المسلحة اللبنانية. هذه النقاط هي في الواقع الختم الأميركي في الدرجة الأولى للمضي قدماً نحو المرحلة المقبلة.
فيما انشغلت ديبلوماسية عواصم الدول المعنية باتفاق وقف النار في الجنوب في البحث في موضوع التزام إسرائيل الانسحاب من الجنوب في الساعات الأخيرة، كان الوضع على الأرض مختلفاً وخريطة انسحابات الجيش الإسرائيلي من القرى اللبنانية وحلول الجيش اللبناني مكانها كانت تتغير بين يوم وآخر بل بين ساعة وأخرى. تكمل اللجنة الدولية لمراقبة وقف النار التي تألفت برئاسة الولايات المتحدة وعضوية فرنسا ولبنان واسرائيل والولايات المتحدة غداً الاثنين الشهر الثاني من بدء عملها مع وصول الفريق العسكري الأميركي برئاسة الجنرال جاسبر جيفرز والذي استعين به مع فريقه على عجل في 27 تشرين الثاني الماضي. هذا الفريق يتوزع على مجموعتين واحدة تعمل من السفارة الأميركية في عوكر وأخرى أصغر تعمل في إسرائيل. لم ينته عمل اللجنة بعد وهناك المزيد من العمل على الأرض. لم يكن لبنان يتوقع كل هذا العمل الذي يستغرقه تنفيذ ما نص عليه اتفاق وقف النار وحين حمل الجنرال الأميركي رئيس لجنة المراقبة خارطة التقدم الحاصل على الأرض والمزيد من متطلبات إنجاز ما يتطلبه الاتفاق الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنه لم يثر ارتياحاً لديه. إلا أن من أهم الخلاصات هو مدى التقدير الأميركي ومن دون تحفظ لأداء الجيش اللبناني في الجنوب وحرفيته ومهنيته العالية.
الأسئلة الكبيرة التي تطرح راهناً هو ما قامت وتستمر هذه اللجنة في القيام به وشهادتها الضرورية والحتمية في تقويم ما يجري في الجنوب للمضي قدماً، والأهم ماذا تفعل الولايات المتحدة واتفاق الهدنة وبنوده والية العمل في ظل عدم وجود قوات أميركية مباشرة على الأرض في الجنوب.
عضو أميركي بارز في اللجنة شرح لـ:النهار” إنه بعد ترتيب الاتفاق السياسي بين حكومة لبنان وحكومة إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا واليونيفيل، كان الجميع يعرفون الجزء العسكري من هذا بسبب الطريقة التي تم بها التوصل إلى الاتفاق. وكان من الصعب التوصل إلى الترتيب لأن إسرائيل كانت لا تزال داخل لبنان والقوات المسلحة اللبنانية بحاجة إلى استبدالها في مواقع انسحاب إسرائيل وكانت بحاجة إلى فريق عسكري يمكنه الوصول إلى هنا بسرعة كبيرة. وتمت الاستعانة بفريق الجنرال جاسبر جيفرز الذي لم يكن غريباً عن لبنان والذي يقود مجموعة من العناصر في لبنان ومجموعة أصغر في اسرائيل للقيام وعبر مركز اتصالات في كلا البلدين بالتواصل والتنسيق والمتابعة الحثيثة لما يجري على الارض من دون وجود قوات اميركية مباشرة ميدانيا في الجنوب. وهناك فريق مماثل بقيادة الجنرال الفرنسي غيوم بونشان متمركز بدوره في السفارة الفرنسية وعلى تنسيق يومي ومباشر مع الفريق الاميركي.
المهام التي تولاها الفريق قامت بحسب العضو الأميركي في اللجنة وفق الاتي: اولاً خلق مساحة بين القوات المسلحة اللبنانية التي كانت تتحرك والقوات الاسرائيلية الموجودة على الارض والتي لا تتواصل في ما بينها على الأرض بشكل مباشر. وتوفير مساحة بينية لاتخاذ القرارات الفنية العسكرية والتفاهم من اجل منع الاحتكاك بين القوات المسلحة اللبنانية بشكل غير مقصود مع الجيش الإسرائيلي وقوات اليونيفيل حتى لا تحصل أخطاء. ويحدث هذا 50 مرة في اليوم .التواصل تركز لفهم أين الجميع وتنسيق عملية التحرك بأمان لإنجاز كل طرف مهمته المنصوص عليها في الاتفاق وفي حالات كما عندما ينسحب الجيش الإسرائيلي يتم استبداله بسرعة كبيرة بالقوات المسلحة اللبنانية. اذ عندما تحدث هذه الأشياء معًا، فهناك قدر كبير من المخاطر من حيث مدى اقتراب الطرفين بحيث توفر رئاسة اللجنة عدم حصول ذلك وضمان ان يحصل الانتقال بسلاسة.
ثانياً كيفية النظر إلى الأمام بعدأسبوع أو عشرة أيام أو 48 ساعة من الآن. من خلال اجتماعات الناقورة مرة واحدة كل أسبوع أو عشرة أيام للاعضاء الخمسة في لجنة المراقبة من اجل مناقشة الأسبوع أو الأيام العشرة التالية من الإجراءات العسكرية التي يمكن للجنة التحكم فيها. هناك الكثير من هذا على المستوى السياسي للمناقشات بين الحكومات ولكن هناك أجزاء منه للتحكم بالإجراءات اليومية التي تفي بأجزاء من الاتفاق حتى تثق القيادة السياسية من جميع الأطراف في الآلية وفي إمكانية تحقيق أهداف الترتيب. هذه الاجتماعات للجنة تحصل فيما يعلم القيمون عليها بالضبط ما هو القرار التالي. لكن وضع الخطط معًا يسمح لهؤلاء بالحصول على خطة جاهزة للقرارات السياسية التي تأتي ويمكن تنفيذها. لذلك يجد الجانب الاميركي أن هذه الاجتماعات مهمة جدًا لما يجب القيام به خارج ردود الفعل اليومية.
الجزء الثالث من المهمة هو القدرة على التحقق لمساعدة جميع الأطراف الخمسة على معرفة الخطوات العسكرية التي سيتم الاتفاق عليها مع الترتيبات التي يمكن تنفيذها. ويحصل ذلك عبر الاستطلاع الجوي للمواقع التي يتعين البحث عنها كما عبر التحرك على الارض واتخاذ الإجراءات وتسجيلها وتقديمها للجميع باعتبارها أداة هائلة لزيادة الثقة لمجموعة من الأشخاص لا يثقون ببعضهم البعض.
يبرز الجانب الاميركي في هذا الاطار مدى الاحترافية التي تتمتع بها القوات المسلحة اللبنانية فيما يرافقها احيانا كما فعل في الناقورة او الخيام او الى الانفاق تحت الارض . المسألة مرتبطة بالاطلاع مباشرة في ظل عدم وجود قوات اميركية على الارض . وفي مدة قصيرة من الزمن ، قام هذا الجانب ببناء علاقات مع القادة العسكريين في القوات المسلحة اللبنانية من القمة إلى القاع. فلا يندرج ذلك في كونه مجرد خطوة لبناء الثقة يتعين على الجانب الاميركي ان يتخذها، بل وجوب مشاركة هذا مع القيادة الأميركية ومع الجميع . هناك شرح مفصل ودقيق لمدى نجاح القوات المسلحة اللبنانية على الأرض يتحدث عنه العضو الاميركي البارز في اللجنة فيما تواجه هذه القوات واحدة من أكبر المشاكل المتمثلة في كميات هائلة من انواع الاسلحة أكثر بكثير مما يمكن اعتقاده فتتولى إزالته أو تدمير ما يتعذر نقله.
الخلاصة التي لا تقل أهمية عن ذلك كله كما يلفت العضو الاميركي البارز في اللجنة ان هناك فقرات أخرى في الاتفاق بخلاف الانسحاب الإسرائيلي، إحداها تهدف إلى ضمان أن تكون القوات المسلحة اللبنانية العنصر الوحيد القادر على امتلاك الأسلحة في المنطقة، وهناك قدر هائل من التفكيك للبنية التحتية لم يتوقع ان يكون بهذا المقدار . ولا يوجد جدول زمني محدد لذلك. لكن هذا جزء من الاتفاق. ولذلك هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وهناك مهمة للجنة ورئاستها ، وهذا هو دورها في الاتفاق ودور الجانب الاميركي في مساعدة الجيش اللبناني على تنفيذ ذلك مصرا على الاستنتاج بوجود مسار جيد هو ما سيكون عليه الواقع في لبنان.
النهار