تشهد الساحة الإقليمية والدولية تحولات متسارعة، من اندلاع الحروب والصراعات إلى اضطرابات الأسواق المالية، ما يزيد من حالة القلق وعدم اليقين بشأن المستقبل. هذا التوتر المتراكم يمكن أن يُلقي بظلاله الثقيلة على الصحة النفسية والبدنية، لاسيما على جودة النوم.
فالتوتر المزمن قد يؤدي إلى الأرق، ويُسهم في تطور مشكلات صحية خطيرة مثل السكتات الدماغية والنوبات القلبية، بحسب الخبراء.
وفي هذا السياق، توضح الدكتورة آنا كريغر، الباحثة المتخصصة في طب النوم وأستاذة الطب السريري في أقسام الطب وطب الأعصاب والوراثة بكلية “وايل كورنيل” للطب في نيويورك، أن “لكل إنسان مستوى خاص من التحمّل تجاه الأرق، إلا أن بعض الظروف قد تتجاوز هذه العتبة وتؤدي إلى اضطرابات في النوم”. وتشير إلى أن مسببات الأرق قد تتنوع بين ضغوط شخصية ومهنية، أو عوامل بيئية وحتى سياسية.
أوضحت ميشيل دريروب، وهي الاختصاصية النفسية في عيادة اضطرابات النوم بمستشفى كليفلاند في ولاية أوهايو الأمريكية، أن حالات الأرق تميل إلى الازدياد خلال فترات الاضطرابات السياسية والمجتمعية.
وأضافت:“لقد شهدنا هذا الأمر في العقود الماضية. وغا لبًا ما يُصاب بالأرق الأشخاص الذين لديهم قابلية لذلك، أو يعانون من صعوبات نوم عرضية، ثم تأتي مثل هذه التغيرات لتدفع بهم إلى حافة المعاناة المزمنة”.
أشارت كريغر إلى أن الأشخاص الذين ينامون جيدًا يتمتّعون بمناعة أكبر تجاه تأثيرات التوتر فيما يرتبط بفترة النوم خلال الليل، بيد أن هذه الضغوط المستمرة مثل الأخبار المقلقة قد تؤثر بشكل كبير على الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في النوم أو من تقطّع النوم، ما يُحول ليلة سيئة عرضية إلى مشكلة نوم حقيقية.
يُعتبر العمر عامل خطر آخر، إذ أن كبار السن قد يعانون أصلًا من مشاكل في النوم بسبب حالات صحية قائمة، أو تناول أدوية، أو آلام مزمنة، وبالتالي قد يكون لديهم حساسية أكبر تجاه الضغوط الإضافية.
وأضافت الدكتورة دريروب أن النساء يعانين من الأرق بمعدلات أعلى من الرجال، وكذلك الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بالأرق، لافتة إلى أنّ هناك استعداد وراثي، وتأثير سلوكي.
كما أن التاريخ العائلي للمشاكل النفسية، لا سيما القلق، يُعد عاملًا إضافيًا يزيد من احتمالية الإصابة بالأرق.
“الجانب المظلم” من الأرق
قالت جينيفر مونت، وهي اختصاصية طب النوم وأستاذة الطب السريري المساعد بقسم طب العائلة والطب الوقائي في جامعة يوتا بأمريكا، التي تُعالج المرضى بمركز “سليب وايك” التابع للجامعة إن “الإصابة بنوبة أرق عرضية أمر شائع”.
وأضافت أنّ “الأرق رد فعل طبيعي على التغيرات المرتبطة بالتوتر، حتى لو كانت تغييرات إيجابية، مثل الزواج والحصول على وظيفة جديدة، أو استقبال مولود جديد. ورغم أنها أمور جيدة، فإنها تُسبب ضغطًا نفسيًا يمكن أن يُعطل نومك. لذا، من الطبيعي تمامًا أن تمر بنوبة مؤقتة من الأرق، وعادةً ما تعود إلى طبيعتك بالنوم بعد فترة”.
لكنّ، أوضحت كريغر أن بعض الأشخاص يطورون عادات وأفكارًا غير مفيدة حول النوم، ما يؤدي إلى دورة سلبية متكرّرة.
كيف تتجنّب تحوّل الأرق إلى مشكلة مزمنة؟
يشجّع الخبراء الأفراد على النهوض من السرير بعد 30 دقيقة من التقلّب من دون القدرة على النوم.
كما أن تعرض العينين للضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية في منتصف الليل، يُرسل إشارة إلى الدماغ حتى يُوقف إفراز الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالنعاس.
وأضافت كريغر أن تناول الطعام ليلًا يمكن أن يؤدي إلى الحرقة، وسوء الهضم، وارتجاع المريء، ما يعطّل النوم.
كما تسبب ممارسة الرياضة في منتصف الليل، ارتفاع درجة حرارة الجسم، ومعدل ضربات القلب، وزيادة إفراز هرمونات التوتر، ما يُفسد محاولات العودة إلى النوم.
وأوصت مونت بالتخفيف من الأمور التي تزيد من سوء نومك مثل تجنّب شرب الكثير من الكافيين خلال النهار لتعويض قلة النوم، لأن ذلك قد يتحوّل إلى حلقة مفرغة، حيث لا يمكنك النوم مجددًا.
وأضافت: “تذكّر أن التفكير المستمر في كيفية النوم يجعل النوم أصعب”، موضحة أنه “عندما يبدأ الناس في المعاناة من الأرق، قد ينشغلون تمامًا بالتفكير فيه، وهذا بحد ذاته يصبح مصدرًا كبيرًا للقلق بشأن النوم الذي قد يصبح بدوره السبب الرئيسي في استمرار اضطراب النوم”.
وتابعت: “تذكّر أن العوامل المستمرة عادة ما تكون سلوكية وفكرية، ويُمكنها أن تُبقي الأرق مستمرًا حتى بعد زوال التوتر الأساسي. وهذه الدوّامات السلبية التي يجب علينا الحذر منها”.
وجدت مونت أن العلاج السلوكي المعرفي للأرق، المعروف اختصارًا بـ CBT-I، يُعتبر على نطاق واسع المعيار الذهبي للعلاج، لافتة إلى أنه يتواجد جانب آخر مهم في علاج CBT-I يتمثّل بإعادة تدريب الدماغ لاعتبار السرير بمثابة مكان مريح وهادئ ومخصص للنوم فقط.