في سن معينة، عليك أن تختاري بين وجهك أو مؤخرتك. تنسب هذه المقولة الحادة إلى الممثلة الفرنسية كاثرين دونوف (ربما بدت أقل فظاظة باللغة ا لفرنسية؟)، ولكن قيل أيضاً إنها تعود لكوكبة كاملة من النجوم: الشخصية الاجتماعية زا زا غابور، ونجمة هوليوود القديمة الساخرة ماي ويست، والممثلة والناشطة السياسية جين فوندا، على سبيل المثال لا الحصر. وإذ تختلف الصياغة قليلاً في كل مرة، تبقى وجهة النظر هي نفسها، ومفادها بأن المرأة (ودائماً امرأة) عندما تتقدم في السن يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستركز وقتها وجهودها على أن تبدو شابة أو أن تتمتع بقوام نحيف.
كلام دونوف وزملاؤها يعود لفترة طويلة قبل الشروع بوصف عقار “سيماغلوتايد” semaglutide، المعروف تحت الاسمين التجاريين “أوزمبيك”Ozempic و”ويغوفي”Wegovy كوسيلة تساعد في فقدان الوزن بوتيرة سريعة. ولكن الآن، مع الارتفاع السريع الذي يشهده الطلب على هذه الأدوية، يتعلم عاشقوها درساً قاسياً مفاده بأن المقايضة القديمة بين الوجه والجسد تحمل في طياتها جانباً أكبر من الحقيقة. مع انخفاض الوزن بسرعة، لاحظ بعض المستخدمين تأثيراً جانبياً غير مرغوب فيه لما يسمى “حقنة النحافة”، إذ يتركهم الدواء وكأن الزمن استعجل خطوات الشيخوخة على وجوههم.
كي يصف هذه المعضلة بإيجاز، صاغ طبيب الأمراض الجلدية في نيويورك، الدكتور بول جارود فرانك، مصطلح “وجه أوزمبيك” Ozempic face [المقصود به تغيرات الوجه التي يشهدها المستخدمون الذين فقدوا الوزن نتيجة تناول أوزمبيك] في وقت سابق من العام الحالي، وحظي هاشتاغ #ozempicface بأكثر من 30 مليون مشاهدة على “تيك توك” حتى الآن، إذ ستجد أطباء وأناساً عاديين على حد سواء يعرضون تكهناتهم في شأن صور المستخدمين قبل اللجوء إلى الدواء وبعد اللجوء إليه. ووفق الدكتورة ليا توتون، اختصاصية العلاج التجميلي غير الجراحي والفائزة السابقة في برنامج “ذا أبرنتيس” The Apprentice (المتدرب)، يبدو أن العلامات المميزة لـ”وجه أوزمبيك” ظهور “تجاويف في الوجه وتفاقم الارتخاء” في البشرة، بمعنى فقدان صلابتها، بلغة الشخص العادي، إضافة إلى المظهر “الهزيل والمترهل” في الوجه، “الذي يكون في الغالب مصحوباً بكثرة الخطوط والتجاعيد”.
أصبح استخدام “أوزمبيك” معروفاً بـ”أسوأ أسرار هوليوود”. بدأت التخمينات بما يحيط بها من غموض عندما أخذ نجوم الصف الأول يطلون على السجادة الحمراء بأجساد أكثر نحافة إلى حد مثير للدهشة. وفيما التزم كثيرون الصمت إزاء إشاعات تقول إنهم يتناولون “أوزمبيك”، تحدث مشاهير من مجالات مختلفة من قبيل رجل الأعمال إيلون ماسك والممثلة الكوميدية إيمي شومر والصحافي والمذيع والكاتب البريطاني جيريمي كلاركسون عن تجاربهم مع الدواء، سواء كانت جيدة أو سيئة. ادعت المذيعة وكاتبة الأغاني شارون أوزبورن أخيراً أنها ما زالت قادرة على الصمود “من دون تناول الطعام لثلاثة أيام” بعد التوقف عن “أوزمبيك” في ديسمبر (كانون الأول). ظهر واضحاً أنها فقدت كيلوغرامات كثيرة من وزنها، وبدا وجهها نحيفاً جداً في أثناء مقابلة معها في البرنامج الحواري مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان “بيرس مورغان أنسينسورد” Piers Morgan Uncensored الأسبوع الماضي، عندما كشفت عن أنها “لم تكن تريد في الواقع أن تصبح نحيفة إلى هذا الحد، ولكن حدث ذلك ببساطة”.
ليس بجديد أن خسارة كيلوغرامات كثيرة تجعلك تبدو منهكاً وشاحب البشرة أو تعاني ترهلات في الجلد: بعد ربط المعدة، مثلاً، من المعتاد أن يختار بعض المرضى في مرحلة لاحقة الخضوع لجراحة شد الجلد المترهل بغية نحت الجسم. أما الجديد فيكمن في السرعة المهولة التي يخسر بها عدد من مستخدمي “سيماغلوتايد” كتلتهم الجسدية، والتأثير الملحوظ الذي يطرحه هذا التغيير في الجزء السفلي من الوجه وخط الفك. وفي تصريح أدلى به إلى “التايمز” في وقت سابق من العام الحالي، قال استشاري جراحة التجميل راجيف غروفر إنه “مقارنة مع جراحة إنقاص الوزن، يبدو تأثير ’أوزمبيك‘ في الوجه أكبر مرتين إلى ثلاث مرات”. \
نافين كافال
عندما نفقد الوزن من طريق ممارسة التمارين الرياضية أو اتباع حمية غذائية، نخسر الكيلوغرامات على نحو تدريجي. يوضح الدكتور سيباستيان بيجما، الطبيب المتخصص بالتجميل المتقدم في “عيادة الدكتور بيجما الطبية” في ليدز، مضيفاً أن “فقدان الدهون يحدث ببطء، ومعه ينكمش الجلد تدريجاً ويعود لمكانه”. ولكن عندما يحدث ذلك بسرعة، كما الحال عند اللجوء إلى “أوزمبيك” أو” ويغوفي”، يواجه الجلد صعوبة في العودة لحالته الطبيعية، “وفي بعض الحالات، إذا كان فقدان الوزن كبيراً جداً، فلن يرجع الجلد إلى حالته السابقة”، كما يوضح بيجما. تخيل أن الجلد بالون يفرغ من الهواء، كما يشير نافين كافال، استشاري جراحة التجميل في “ريل كلينك”، إذا أخرجت الهواء منه تدريجاً، ربما يتسنى له الوقت لينكمش مجدداً إلى الحجم الذي كان عليه عندما خرج للمرة الأولى من الكيس. وإذا فقد الأشخاص الوزن رويداً رويداً، تحظى البشرة [و] مرونتها بالوقت المطلوب للتعافي. هكذا، يسع بشرتك أن تتجدد”. أما ما عدا ذلك، فستحصل في نهاية المطاف على “قدر زائد من الجلد المترهل”.
الفقدان السريع في الوزن يعود بالضرر أيضاً على مستويات الكولاجين (الذي “يمد البشرة بالصلابة والقوة”، كما يقول بيجما) و”الإيلاستين” (الذي “يعطيها المرونة ويسمح لها باستعادة مظهرها السابق”). ومع وجود كمية أقل من الدهون لملء البشرة، تكسوها التجاعيد بشكل أكثر وضوحاً. وتشير الدكتورة توتون إلى أن “النساء فوق سن 50 سنة عرضة لهذا الخطر بشكل خاص. لأنهن لا يملكن احتياطات الكولاجين أو الإيلاستين التي تساعد بشرتهن في “استعادة التعافي” بعد الخسارة المفاجئة أو الكبيرة في الوزن” (يعتقد أن النساء يفقدن نحو 30 في المئة من حجم الكولاجين في السنوات الخمس التالية لانقطاع الطمث).
معلوم أن الغرض من صناعة “سيماغلوتايد” كان في البداية التصدي لداء السكري من النوع الثاني. يساعد الدواء في التحكم في مستويات السكر في الدم، إذ يؤدي عمل هرمون “جي أل بي- 1” (GLP-1)، الذي تفرزه خلايا الأمعاء بعد تناول الطعام، مما يقلص الرغبة الشديدة في تناول الطعام ويحول دون الإفراط في الأكل. لم يتصدر العقار عناوين الأخبار حتى العام الماضي، وسط تكهنات بأن مجموعة من نجوم “هوليوود” الذين صاروا فجأة أكثر نحافة مما هم عليه أصلاً وصف لهم “أوزمبيك” لاستخدام خارج نطاق الاستخدامات المرخصة له (أي لغرض مختلف عن الغرض الذي نال عنه الموافقة الطبية) ألا وهو خسارة الكيلوغرامات الزائدة بسرعة. وفي تجربة سريرية، تبين أنه يؤدي إلى فقدان متوسط وزن الجسم بنسبة 15 في المئة على مدى فترة زمنية تتراوح بين ستة وتسعة أشهر.
ونتيجة الضجة الصاخبة في شأن هذا “الدواء العجيب” حدث نقص في إمداداته حول العالم، مما يبعث على قلق عميق لدى مرضى السكري. في يوليو (تموز) الماضي، ذكرت “وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية” أن إمدادات أدوية “سيماغلوتيد” ربما لن تعود لسابق عهدها حتى منتصف عام 2024.
أعطى “المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية” (“نايس” NICE) في بريطانيا موافقته على “ويغوفي” بوصفه علاجاً لإنقاص الوزن في وقت سابق من العام الحالي، وأوصى باستخدامه لمدة سنتين كحد أقصى، ثم في يونيو (حزيران)، خصص ريشي سوناك 40 مليون جنيه استرليني لبرنامج تجريبي مصمم لتعزيز فرص الحصول على الدواء من طريق وصفة الطبيب العام. يقول كافال إن مستخدمي الدواء ينقسمون عادة إلى مجموعتين. ويوضح فكرته قائلاً: “المجموعة التي تستهلكه وربما يمكنها الاستفادة منه، أي الأشخاص الذين يعانون زيادة قليلة في الوزن، وفي مقدورهم اتباع أسلوب عيش أفضل، وتناول كميات أقل من الطعام وممارسة التمارين الرياضية بشكل أكبر. ويساعدهم [“سيماغلوتايد”] في ذلك عند استخدامه بالشكل الصحيح.”
أما المجموعة الثانية فتتكون من “أشخاص لا يعانون بالضرورة زيادة في الوزن، ويستخدمون (الدواء) كما لو أنه جانباً من أسلوب عيشهم”، يقول كافال. وربما يحصلون على أدوي ة إنقاص الوزن لأسباب أقل شرعية، من طريق موردين عديمي الضمير. ويضيف: “إنهم يفقدون بعد ذلك قدراً كبيراً من الوزن بسرعة مهولة. إذا كنت شاباً، فإن [وجهك] يكتنز كمية إضافية من الدهون، وبالتالي إذا كنت تتناول “أوزمبيك”، ليس مستبعداً أن ينتهي بك الأمر وقد خسرت [الدهون] التي تملأ وجهك بسرعة كبيرة. لذا فأنت إلى حد ما تسرع عجلة هذا الجزء من عملية الشيخوخة”.
بعض مستخدمي “أوزمبيك” لا يعيرون الآثار الجانبية التي يرسمها الدواء على الوجه أي اهتمام. تقول الدكتورة غريس هولا، طبيبة التجميل: “لقد استقبلنا مرضى كثراً يتناولون “أوزمبيك”، ولكنهم عادة ما يكونون أكثر سعادة لأنهم فقدوا الوزن. ربما ذكر واحد أو اثنان منهم أن وجوههم أصبحت نحيفة، بيد أنها لم تكن مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم.” وجد كافال أن الشباب، “الذين يستخدمونه، في وقت مبكر جداً ومن دون أن يكونوا بحاجة إليه، يعتريهم عادة القلق من أنهم “يبدون منهكين من دون سبب وجيه”. ويقول في هذا الصدد: “يقصدوننا ويشتكون قائلين: نعم، لقد فقدت وزني، ولكن الآن يقول لي الناس إنني أبدو متعباً”.
في رأي توتون، من الأفضل اتباع الطريقة غير الجراحية في علاج “وجه أوزمبيك”: فقد شهدت عياداتها “الدكتورة ليا” زيادة في الطلب بنسبة 64 في المئة على عمليات شد الوجه بالخيوط في عام 2023 مقارنة مع فترة ستة أشهر نفسها من العام السابق (شد الوجه بالخيوط إجراء غير جراحي يتضمن غرزاً موقتة لنحت البشرة). وتقول إن “نسبة كبيرة” من العملاء الذين يختارونها “يعانون ترهل الوجه نتيجة الفقدان المفاجئ أو الكبير في الوزن”. كذلك توصي باستخدام حقن الحشو الاصطناعية [الفيلر] أو ما يسمى عملية “شد الوجه بالسائل” لـ”التعويض عن حجم الدهون المفقودة من الوجه”.
في العادة، يكون عملاء كافال في الخمسينيات من عمرهم، ولكنه استقبل مرضى محتملين في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من أعمارهم، يستفسرون عن الخضوع لجراحات شد الوجه. في رأيه، “ليس شد الوجه إجراء بسيطاً على الإطلاق، والمشكلة أنه يتعين عليك عدم اللجوء إليه في مرحلة مبكرة جداً من حياتك”. ويأمل الدكتور أن “يتحلى” الناس “بالذكاء” وأن يدركوا حقيقة أنه “لا تتوفر طرق مختصرة” للتمتع بصحة جيدة (وأن “لكل دواء، ولكل جراحة، عواقب وأخطار ومضاعفات”). ومع ذلك، إذا لم يتوصلوا إلى هذا الفهم، واستمر الهوس بدواء “سيماغلوتيد”، يتساءل كافال “ما إذا كنا سنبدأ برؤية أشخاص يخضعون لجراحات كبرى في وقت مبكر أكثر وأكثر”.
سبق أن ازدهرت الجراحة التجميلية منذ الجائحة [كورونا] (الق باللوم على الساعات التي نحدق خلاله ا في وجوهنا المتجعدة أثناء المكالمات التي لا ترحم على تطبيق “زووم”)، مع تسجيل عمليات شد الوجه والعنق زيادة بنسبة 97 في المئة بين عامي 2021 و2022 وفق “الجمعية البريطانية لجراحي التجميل” (BAAPS)، فيما يتساءل كافال عما إذا كانت أدوية إنقاص الوزن “تدفع هذه الظاهرة إلى مستوى أعلى ربما”. ويقول إن جراحي التجميل من أمثاله “سيبدأون في ملاحظة العواقب مع تقدم الناس في السن”، إذ سيكون على المرضى أن يخضعوا بشكل متكرر للعلاجات التجميلية في المستقبل. ولهذا السبب، يشير إلى وجود “إشكالات أخلاقية حقيقية” في شأن الأطباء الذين يعطون وصفة طبية بدواء “أوزمبيك” أو” ويغوفي” لمرضى ليسوا بحاجة إليه فعلاً. “لقد واجهت المشكلات عينها مع أشخاص يحقنون [عملاء] بالبوتوكس مع أنهم لا يحتاجون إليه بعد، ومن المحتمل أن يودي بهم إلى مشكلات أكبر، مشكلات جسيمة تدر على [الأطباء] كثيراً من المال”.
ويضيف كافال: “تنطوي هذه الأدوية على عواقب. إذا اخترت أن تتزين بثقبين في أذنيك ولكن لم تعجبك هذه الصيحة، ربما تنزع القرطين وتترك الثقبين ينغلقان طبيعياً ثم تعود أذناك لما كانتا عليه. إذا رسمت وشماً في منطقة ما من جسمك، صار في وسعك إزالته الآن. أما تغيرات الشيخوخة المبكرة قتبقى دائماً. ومن الصعب عكس مسارها. إذ توقفت عن تناول “أوزمب يك” في غضون سنوات قليلة لن يعود وجهك لحالته الطبيعية. للأسف، لا رجعة في كثير من هذه التغيرات. ذلك أنك دفعت بوجهك، في وقت لم تكن بحاجة إلى ذلك بالضرورة، على طول مسار الشيخوخة، وهو مسار ذو اتجاه واحد لا رجوع فيه”.